ولملئت نفسك من اطلاعك عليهم فزعا، لما كان الله ألبسهم من الهيبة، كي لا يصل إليهم واصل، ولا تلمسهم يد لامس حتى يبلغ الكتاب فيهم أجله، وتوقظهم من رقدتهم قدرته وسلطانه في الوقت الذي أراد أن يجعلهم عبرة لمن شاء من خلقه، وآية لمن أراد الاحتجاج بهم عليه من عباده، ليعلموا أن وعد الله حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها.
واختلفت القراء في قراءة قوله: ولملئت منهم رعبا فقرأته عامة قراء المدينة بتشديد اللام من قوله: ولملئت بمعنى أنه كان يمتلئ مرة بعد مرة. وقرأ ذلك عامة قراء العراق: ولملئت بالتخفيف، بمعنى: لملئت مرة، وهما عندنا قراءتان مستفيضتان في القراءة، متقاربتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. القول في تأويل قوله تعالى: * (وكذلك بعثناهم ليتساءلوا بينهم قال قائل منهم كم لبثتم قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم قالوا ربكم أعلم بما لبثتم فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها أزكى طعاما فليأتكم برزق منه وليتلطف ولا يشعرن بكم أحدا ئ إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا إذا أبدا) *.
يقول تعالى ذكره: كما أرقدنا هؤلاء الفتية في الكهف، فحفظناهم من وصول واصل إليهم، وعين ناظر أن ينظر إليهم، وحفظنا أجسامهم من البلاء على طول الزمان، وثيابهم من العفن على مر الأيام بقدرتنا فكذلك بعثناهم من رقدتهم، وأيقظناهم من نومهم، لنعرفهم عظيم سلطاننا، وعجيب فعلنا في خلقنا، وليزدادوا بصيرة في أمرهم الذي هم عليه من برأتهم من عبادة الآلهة، وإخلاصهم لعبادة الله وحده لا شريك له، إذا تبينوا طول الزمان عليهم، وهم بهيئتهم حين رقدوا. وقوله: ليتساءلوا بينهم يقول: ليسأل بعضهم بعضا قال قائل منهم كم لبثتم يقول عز ذكره: فتساءلوا فقال قائل منهم لأصحابه: كم لبثتم وذلك أنهم استنكروا من أنفسهم طول رقدتهم قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم يقول: فأجابه الآخرون فقالوا: لبثنا يوما أو بعض يوم. ظنا منهم أن ذلك كذلك كان، فقال الآخرون: ربكم أعلم بما لبثتم فسلموا العلم إلى الله.
وقوله: فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة يعني مدينتهم التي خرجوا منها