وافق طاعته، ولم يخصص الله عز ذكره بالخبر عن بعض طاعاته، ولا ذهاب بعض معاصيه، بل عم الخبر عن مجئ جميع الحق، وذهاب جميع الباطل، وبذلك جاء القرآن والتنزيل، وعلى ذلك قاتل رسول الله (ص) أهل الشرك بالله، أعني على إقامة جميع الحق، وإبطال جميع الباطل.
وأما قوله عز وجل: وزهق الباطل فإن معناه: ذهب الباطل، من قولهم: زهقت نفسه: إذا خرجت وأزهقتها أنا ومن قولهم: أزهق السهم: إذا جاوز الغرض فاستمر على جهته، يقال منه: زهق الباطل، يزهق زهوقا، وأزهقه الله: أي أذهبه. وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
17093 - حدثنا علي، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس إن الباطل كان زهوقا يقول: ذاهبا.
وقوله عز وجل: وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين يقول تعالى ذكره: وننزل عليك يا محمد من القرآن ما هو شفاء يستشفى به من الجهل من الضلالة، ويبصر به من العمى للمؤمنين ورحمة لهم دون الكافرين به، لان المؤمنين يعملون بما فيه من فرائض الله، ويحلون حلاله، ويحرمون حرامه فيدخلهم بذلك الجنة، وينجيهم من عذابه، فهو لهم رحمة ونعمة من الله، أنعم بها عليهم ولا يزيد الظالمين إلا خسارا يقول: ولا يزيد هذا الذي ننزل عليك من القرآن الكافرين به إلا خسارا: يقول: إهلاكا، لأنهم كلما نزل فيه أمر من الله بشئ أو نهى عن شئ كفروا به، فلم يأتمروا لامره، ولم ينتهوا عما نهاهم عنه، فزادهم ذلك خسارا إلى ما كانوا فيه قبل ذلك من الخسار، ورجسا إلى رجسهم قبل، كما:
17094 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين إذا سمعه المؤمن انتفع به وحفظه ووعاه ولا يزيد الظالمين به إلا خسارا أنه لا ينتفع به ولا يحفظه ولا يعيه، وإن الله جعل هذا القرآن شفاء ورحمة للمؤمنين. القول في تأويل قوله تعالى: * (وإذا أنعمنا على الانسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسه الشر كان يؤوسا) *.
يقول تبارك وتعالى: وإذا أنعمنا على الانسان، فنجيناه من رب ما هو فيه في البحر،