وقال بعضهم: هم قوم اقتسموا طرق مكة أيام قدوم الحاج عليهم، كان أهلها بعثوهم في عقابها، وتقدموا إلى بعضهم أن يشيع في الناحية التي توجه إليها لمن سأله عن نبي الله (ص) من القادمين عليهم، أن يقول: هو مجنون، وإلى آخر: إنه شاعر، وإلى بعضهم: إنه ساحر.
والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إن الله تعالى أمر نبيه (ص) أن يعلم قومه الذين عضوا القرآن ففرقوه، أنه نذير لهم من سخط الله تعالى وعقوبته أن يحل بهم على كفرهم ربهم وتكذيبهم نبيهم ما حل بالمقتسمين من قبلهم ومنهم. وجائز أن يكون عني بالمقتسمين: أهل الكتابين التوراة والإنجيل، لأنهم اقتسموا كتاب الله، فأقرت اليهود ببعض التوراة وكذبت ببعضها وكذبت بالإنجيل والفرقان، وأقرت النصارى ببعض الإنجيل وكذبت ببعضه وبالفرقان. وجائز أن يكون عني بذلك: المشركون من قريش، لأنهم اقتسموا القرآن، فسماه بعضهم شعرا وبعض كهانة وبعض أساطير الأولين. وجائز أن يكون عني به الفريقان. وممكن أن يكون عني به المقتسمون على صالح من قومه.
فإذ لم يكن في التنزيل دلالة على أنه عني به أحد الفرق الثلاثة دون الآخرين، ولا في خبر عن الرسول (ص)، ولا في فطرة عقل، وكان ظاهر الآية محتملا ما وصفت، وجب أن يكون مقتضيا بأن كل من اقتسم كتابا لله بتكذيب بعض وتصديق بعض، واقتسم على معصية الله ممن حل به عاجل نقمة الله في الدار الدنيا قبل نزول هذه الآية، فداخل في ذلك لأنهم لاشكالهم من أهل الكفر بالله كانوا عبرة وللمتعظين بهم منهم عظة.
واختلفت أهل التأويل في معنى قوله: الذين جعلوا القرآن عضين فقال بعضهم:
معناه: الذين جعلوا القرآن فرقا مفترقة. ذكر من قال ذلك:
حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: الذين جعلوا القرآن عضين قال: فرقا.
حدثنا أبو كريب ويعقوب بن إبراهيم، قالا: ثنا هشيم، قال: أخبرنا أبو بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: جزأوه فجعلوه أعضاء، فآمنوا ببعضه وكفروا ببعضه.