فإن قال لنا قائل: وكيف جعل لكم سرابيل تقيكم الحر، فخص، بالذكر الحر دون البر، وهي تقي الحر والبرد؟ أم كيف قيل: * (وجعل لكم من الجبال أكنانا) * وترك ذكر ما جعل لهم من السهل؟ قيل له: قد أختلف في الذي من أجله جاء التنزيل كذلك، وسنذكر ما قيل في ذلك ندل على أولى الأقوال في ذلك بالصواب.
فروي عن عطاء الخراساني قي ذلك ما:
حدثني الحارث قال: ثنا القاسم، قال: ثنا محمد بن كثير، عن عثمان بن عطاء، عن أبيه، قال: إنما نزل القرآن على قدر معرفتهم، ألا ترى إلى قوى الله تعالى ذكره: * (والله جعل لكم مما خلق ظلالا وجعل لكم من الجبال أكنانا) * وما جعل لهم من السهول أعظم وأكثر، ولكنهم، كانوا أصحاب جبال، ألا ترى إلى قوله: * (ومن أصوافها من السهول أعظم وأكثر، ولكنهم كانوا أصحاب جبال، ألا ترى إلى قوله: * (ومن أصواب وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين) * وما وجعل له عن غير ذلك أعظم منه و؟ أكثر، ولكنهم كانوا أصحاب وبر وشعر، ألا ترى إلى قوله: * (وينزل من السماء من جبال فيها من برد) * يعجبهم من ذلك؟ وما أنزل من الثلج أعظم وأكثر ولكنهم، كانوا لا يعرفون به، ألا ترى إلى قوله: * (سرابيل تقيكم الحر) * وما تقى من البرد أكثر وأعظم؟ ولكنهم كانوا أصحاب حر.
فالسبب الذي من أجله خص، الله تعالى ذكره السرابيل بأنها تقي الحردون البرد على هذا القول، هو أن المخاطبين بذلك كانوا أصحاب حر، فذكر الله تعالى ذكره نعمته عليهم سائر الأحرف الأخر.
وقال: آخرون: ذكر ذلك خاصة اكتفاء بذكر أحدهما من ذكر الآخر، إذا كان معلوما عند المخاطبين به معناه، وأن السرابيل التي تقي أيضا البرد، وقالوا: ذلك موجود في كلام العرب مستعمل، واستشهدوا لقولهم بقول الشاعر:
وما أدري إذا يممت وجها * أريد الخير أيهما يليني