فإن قال قائل: وكيف قيل بالبينات والزبر؟ وما الجالب لهذه الباء في قوله بالبينات فإن قلت: جالبها قوله أرسلنا وهي من صلته، فهل يجوز أن تكون صلة ما قبل إلا بعدها؟ وإن قلت: جالبها غير ذلك، فما هو؟ وأين الفعل الذي جلبها؟ قيل:
قد اختلف أهل العربية في ذلك، فقال بعضهم: الباء التي في قوله: بالبينات من صلة أرسلنا، وقال: إلا في هذا الموضع، ومع الجحد و الاستفهام في كل موضع بمعنى غير. وقال: معنى الكلام: وما أرسلنا من قبلك بالبينات والزبر غير رجال نوحي إليهم، ويقول على ذلك: ما ضرب إلا أخوك زيدا، وهل كلم إلا أخوك عمرا، بمعنى: ما ضرب زيدا غير أخيك، وهل كلم عمرا إلا أخوك؟ ويحتج في ذلك بقول أوس بن حجر:
أبني لبينى لستم بيد * إلا يد ليست لها عضد ويقول: لو كانت إلا بغير معنى لفسد الكلام، لان الذي خفض الباء قبل إلا لا يقدر على إعادته بعد إلا لخفض اليد الثانية، ولكن معنى إلا معنى غير. ويستشهد أيضا بقول الله عز وجل: لو كان فيهما آلهة إلا الله ويقول: إلا بمعنى غير في هذا الموضع. وكان غيره يقول: إنما هذا على كلامين، يريد: وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا أرسلنا بالبينات والزبر. قال: وكذلك قول القائل: ما ضرب إلا أخوك زيدا معناه:
ما ضرب إلا أخوك، ثم يبتدئ ضرب زيدا، و كذلك ما مر إلا أخوك بزيد ما مر إلا أخوك، ثم يقول: مر بزيد ويستشهد على ذلك ببيت الأعشى:
وليس مجيرا إن أتى الحي خائف * ولا قائلا إلا هو المتعيبا