وقد اختلف أهل التأويل فيمن برئ الله ورسوله إليه من العهد الذي كان بينه وبين رسول الله من المشركين فأذن له في السياحة في الأرض أربعة أشهر، فقال بعضهم: صنفان من المشركين: أحدهما: كانت مدة العهد بينه وبين رسول الله (ص) أقل من أربعة أشهر، وأمهل بالسياحة أربعة أشهر، والآخر منهما كانت مدة عهده بغير أجل محدود فقصر به على أربعة أشهر ليرتاد لنفسه، ثم هو حرب بعد ذلك لله ولرسوله وللمؤمنين يقتل حيثما أدرك ويؤسر إلا أن يتوب. ذكر من قال ذلك:
12713 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: بعث رسول الله (ص) أبا بكر الصديق رضي الله عنه أميرا على الحاج من سنة تسع ليقيم للناس حجهم، والناس من أهل الشرك على منازلهم من حجهم. فخرج أبو بكر ومن معه من المسلمين، ونزلت سورة براءة في نقض ما بين رسول الله (ص) وبين المشركين من العهد الذي كانوا عليه فيما بينه وبينهم: أن لا يصد عن البيت أحد جاءه، وأن لا يخاف أحد في الشهر الحرام. وكان ذلك عهدا عاما بينه وبين الناس من أهل الشرك، وكانت بين ذلك عهود بين رسول الله (ص) وبين قبائل من العرب خصائص إلى أجل مسمى، فنزلت فيه وفيمن تخلف عنه من المنافقين في تبوك وفي قول من قال منهم، فكشف الله فيها سرائر أقوام كانوا يستخفون بغير ما يظهرون، منهم من سمي لنا، ومنهم من لم يسم لنا، فقال: براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين أي لأهل العهد العام من أهل الشرك من العرب، فسيحوا في الأرض أربعة أشهر... إلى قوله: أن الله برئ من المشركين ورسوله أي بعد هذه الحجة.
وقال آخرون: بل كان إمهال الله عز وجل بسياحة أربعة أشهر من كان من المشركين بينه وبين رسول الله (ص) عهد، فأما من لم يكن له من رسول الله عهد فإنما كان أجله خمسين ليلة، وذلك عشرون من ذي الحجة والمحرم كله. قالوا: وإنما كان ذلك كذلك، لان أجل الذين لا عهد لهم كان إلى انسلاخ الأشهر الحرم، كما قال الله: فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم... الآية، قالوا: والنداء ببراءة كان يوم الحج الأكبر، وذلك يوم النحر في قول قوم وفي قول آخرين: يوم عرفة، وذلك خمسون يوما.
قالوا: وأما تأجيل الأشهر الأربعة، فإنما كان لأهل العهد بينهم وبين رسول الله (ص) من يوم نزلت براءة. قالوا: ونزلت في أول شوال، فكان انقضاء مدة أجلهم انسلاخ الأشهر الحرم.