يحسبن الذين كفروا أنهم سبقوا إنهم لا يعجزون وهذا فصيح صحيح إذا أدخلت أنهم في الكلام، لان يحسبن عاملة في أنهم، وإذا لم يكن في الكلام أنهم كانت خالية من اسم تعمل فيه. وللذي قرأ من ذلك من القراء وجهان في كلام العرب وإن كانا بعيدين من فصيح كلامهم: أحدهما أن يكون أريد به: ولا يحسبن الذين كفروا أن سبقوا، أو أنهم سبقوا، ثم حذف أن وأنهم، كما قال جل ثناؤه: ومن آياته يريكم البرق خوفا وطمعا بمعنى: أن يريكم. وقد ينشد في نحو ذلك بيت لذي الرمة:
أظن ابن طرثوث عيينة ذاهبا * بعاديتي تكذابه وجعائله بمعنى: أظن ابن طرثوث أن يذهب بعاديتي تكذابه وجعائله. وكذلك قراءة من قرأ ذلك بالياء، يوجه سبقوا إلى سابقين على هذا المعنى. والوجه الثاني على أنه أراد إضمار منصوب ب يحسب، كأنه قال: ولا يحسب الذين كفروا أنهم سبقوا، ثم حذف الهمز وأضمر. وقد وجه بعضهم معنى قوله: أنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه إنما ذلكم الشيطان يخوف المؤمن من أوليائه، وأن ذكر المؤمن مضمر في قوله: يخوف، إذ كان الشيطان عنده لا يخوف أولياءه. وقرأ ذلك بعض أهل الشام: ولا يحسبن الذين كفروا بالتاء من تحسبن سبقوا إنهم لا يعجزون بفتح الألف من أنهم، بمعنى: ولا تحسبن الذين كفروا أنهم لا يعجزون. ولا وجه لهذه القراءة يعقل إلا أن يكون أراد القارئ بلا التي في يعجزون لا التي تدخل في الكلام حشوا وصلة. فيكون معنى الكلام حينئذ: ولا تحسبن الذين كفروا سبقوا أنهم يعجزون. ولا وجه لتوجيه حرف في كتاب الله إلى التطويل بغير حجة يجب التسليم لها وله في الصحة مخرج.
قال أبو جعفر: والصواب من القراءة في ذلك عندي قراءة من قرأ: لا تحسبن بالتاء الذين كفروا سبقوا إنهم بكسر الألف من إنهم لا يعجزون بمعنى: ولا تحسبن أنت يا محمد الذين جحدوا حجج الله وكذبوا بها سبقونا بأنفسهم، ففاتونا، إنهم لا يعجزوننا: