فناجزهم بالحرب، وأعلمهم قبل حربك إياهم أنك قد فسخت العهد بينك وبينهم بما كان منهم من ظهور آثار الغدر والخيانة منهم حتى تصير أنت وهم على سواء في العلم بأنك لهم محارب، فيأخذوا للحرب آلتها، وتبرأ من الغدر. إن الله لا يحب الخائنين الغادرين بمن كان منه في أمان وعهد بينه وبينه أن يغدر به، فيحاربه قبل إعلامه إياه أنه له حرب وأنه قد فاسخه العقد.
فإن قال قائل: وكيف يجوز نقض العهد بخوف الخيانة والخوف ظن لا يقين؟ قيل:
إن الامر بخلاف ما إليه ذهبت، وإنما معناه: إذا ظهرت آثار الخيانة من عدوك وخفت وقوعهم بك، فألق إليهم مقاليد السلم وآذنهم بالحرب. وذلك كالذين كان من بني قريظة، إذ أجابوا أبا سفيان ومن معه من المشركين إلى مظاهرتهم على رسول الله (ص) ومحاربتهم معه بعد العهد الذي كانوا عاهدوا رسول الله (ص) على المسالمة، ولن يقاتلوا رسول الله (ص). فكانت إجابتهم إياه إلى ذلك موجبا لرسول الله (ص) خوف الغدر به وبأصحابه منهم، فكذلك حكم كل قوم أهل موادعة للمؤمنين ظهر لإمام المسلمين منهم من دلائل الغدر مثل الذي ظهر لرسول الله (ص) وأصحابه من قريظة منها، فحق على إمام المسلمين أن ينبذ إليهم على سواء ويؤذنهم بالحرب.
ومعنى قوله: على سواء: أي حتى يستوي علمك وعلمهم بأن كل فريق منكم حرب لصاحبه لا سلم. وقيل: نزلت الآية في قريظة. ذكر من قال ذلك:
12596 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: فانبذ إليهم على سواء قال قريظة.
وقد قال بعضهم: السواء في هذا الموضع: المهل. ذكر من قال ذلك:
12597 - حدثني علي بن سهل، قال: ثنا الوليد بن مسلم، قال: إنه مما تبين لنا أن قوله: فانبذ إليهم على سواء أنه على مهل. كما حدثنا بكير عن مقاتل بن حيان في قول الله: براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين فسيحوا في الأرض أربعة أشهر.
وأما أهل العلم بكلام العرب، فإنهم في معناه مختلفون، فكان بعضهم يقول: معناه: