من هذه الانعام التي تصفون تحريم ما حرم عليكم منها بزعمكم، إلا أن يكون ميتة قد ماتت بغير تذكية أو دما مسفوحا وهو المنصب أو إلا أن يكون لحم خنزير. فإنه رجس أو فسقا يقول: أو إلا أن يكون فسقا، يعني بذلك: أو إلا أن يكون مذبوحا ذبحه ذابح من المشركين من عبدة الأوثان لصنمه وآلهته فذكر عليه اسم وثنه، فإن ذلك الذبح فسق نهى الله عنه وحرمه، ونهى من آمن به عن أكل ما ذبح كذلك، لأنه ميتة. وهذا إعلام من الله جل ثناؤه للمشركين الذين جادلوا نبي الله وأصحابه في تحريم الميتة بما جادلوهم به أن الذي جادلوهم فيه من ذلك هو الحرام الذي حرمه الله، وأن الذي زعموا أن الله حرمه حلال قد أحله الله، وأنهم كذبة في إضافتهم تحريمه إلى الله.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
10954 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، في قوله: قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما قال: كان أهل الجاهلية يحرمون أشياء ويحلون أشياء، فقال: قل لا أجد مما كنتم تحرمون وتستحلون إلا هذا إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به.
حدثني المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، في قوله: قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما... الآية، قال: كان أهل الجاهلية يستحلون أشياء ويحرمون أشياء، فقال الله لنبيه: قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما مما كنتم تستحلون إلا هذا وكانت أشياء يحرمونها فهي حرام الآن.
10955 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن ابن طاوس، عن أبيه: قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه قال: ما يؤكل. قلت: في الجاهلية؟ قال: نعم وكذلك كان يقول: إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا. قال ابن جريج: وأخبرني إبراهيم بن أبي بكر، عن مجاهد: قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما قال: مما كان في الجاهلية يأكلون، لا أجد محرما من ذلك على طاعم يطعمه، إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا.
وأما قوله: أو دما مسفوحا فإن معناه: أو دما مسالا مهراقا، يقال منه: سفحت دمه: إذا أرقته، أسفحه سفحا، فهو دم مسفوح، كما قال طرفة بن العبد: