وأسقطت لا من الكلام لدلالة ما ظهر عليها، كما أسقطت من قوله: يبين الله لكم أن تضلوا والمعنى: يبين الله لكم أن لا تضلوا. وكان بعض أهل العربية من أهل البصرة يزعم أن معنى الكلام: ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا كراهة أن تكونا ملكين، كما يقال: إياك أن تفعل كراهية أن تفعل، أو تكونا من الخالدين في الجنة الماكثين فيها أبدا فلا تموتا. والقراءة على فتح اللام بمعنى ملكين من الملائكة.
وروي عن ابن عباس ما:
11193 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي حماد، قال: ثنا عيسى الأعمى، عن السدي، قال: كان ابن عباس يقرأ: إلا أن تكونا ملكين بكسر اللام.
وعن يحيى بن أبي كثير ما:
11194 - حدثني أحمد بن يوسف، قال: ثني القاسم بن سلام، قال: ثنا حجاج، عن هارون، قال: ثنا يعلى بن حكيم، عن يحيى بن أبي كثير أنه قرأها: ملكين بكسر اللام.
وكأن ابن عباس ويحيى وجها تأويل الكلام إلى أن الشيطان قال لهما: ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين من الملوك، وأنهما تأولا في ذلك قول الله في موضع آخر: قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى.
قال أبو جعفر: والقراءة التي لا أستجيز القراءة في ذلك بغيرها، القراءة التي عليها قراء الأمصار، وهي فتح اللام من ملكين، بمعنى: ملكين من الملائكة لما قد تقدم من بياننا في أن كل ما كان مستفيضا في قراءة الاسلام من القراءة، فهو الصواب الذي لا يجوز خلافه. القول في تأويل قوله تعالى:
* (وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين) *.
يعني جل ثناؤه بقوله: (وقاسمهما): وحلف لهما، كما قال في موضع آخر:
(تقاسموا بالله لنبيتنه) بمعنى: تحالفوا بالله، وكما قال خالد بن زهير عم أبي ذؤيب: