إليهم رسلا تنبههم على حجج الله عليهم، وتنذرهم عذاب الله يوم معادهم إليه، ولم يكن بالذي يأخذهم غفلة فيقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير.
والآخر: ذلك أن لم ربك يكن مهلك القرى بظلم يقول: لم يكن ليهلكهم دون التنبيه والتذكير بالرسل والآيات والعبر، فيظلمهم بذلك، والله غير ظلام للعبيد.
وأولى القولين بالصواب عندي القول الأول، أن يكون معناه: أن لم يكن ليهلكهم بشركهم دون إرسال الرسل إليهم والاعذار بينه وبينهم، وذلك أن قوله: ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم عقيب قوله: ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي فكان في ذلك الدليل الواضح على أن نص قوله: ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم إنما هو إنما فعلنا ذلك من أجل أنا لا نهلك القرى بغير تذكير وتنبيه. وأما قوله: ذلك فإنه يجوز أن يكون نصبا، بمعنى: فعلنا ذلك، ويجوز أن يكون رفعا بمعنى الابتداء، كأنه قال:
ذلك كذلك. وأما أن فإنها في موضع نصب بمعنى: فعلنا ذلك من أجل أن لم يكن ربك مهلك القرى، فإذا حذف ما كان يخفضها تعلق بها الفعل فنصب. القول في تأويل قوله تعالى:
* (ولكل درجات مما عملوا وما ربك بغافل عما يعملون) *.
يقول تعالى ذكره: ولكل عامل في طاعة الله أو معصيته منازل ومراتب من عمله، يبلغه الله إياها، ويثيبه بها، إن خيرا فخيرا وإن شرا فشرا. وما ربك بغافل عما يعملون يقول جل ثناؤه: وكل ذلك من عملهم يا محمد بعلم من ربك يحصيها ويثبتها لهم عنده ليجازيهم عليها عند لقائهم إياه ومعادهم إليه. القول في تأويل قوله تعالى:
* (وربك الغني ذو الرحمة إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين) *.
يقول جل ثناؤه: وربك يا محمد الذي أمر عباده بما أمرهم به ونهاهم عما نهاهم عنه وأثابهم على الطاعة وعاقبهم على المعصية، الغنى عن عباده، الذين أمرهم بما أمر ونهاهم عما نهى، وعن أعمالهم وعبادتهم إياه، وهم المحتاجون إليه، لأنه بيده حياتهم ومماتهم وأرزاقهم وأقواتهم ونفعهم وضرهم، يقول عز ذكره: فلم أخلقهم يا محمد ولم آمرهم بما