وأما قوله: إنكم لمشركون يعني: إنكم إذا مثلهم، إذ كان هؤلاء يأكلون الميتة استحلالا، فإذا أنتم أكلتموها كذلك فقد صرتم مثلهم مشركين.
واختلف أهل العلم في هذه الآية: هل نسخ من حكمها شئ أم لا؟ فقال بعضهم: لم ينسخ منها شئ وهي محكمة فيما عنيت به، وعلى هذا قول عامة أهل العلم. وروى عن الحسن البصري وعكرمة، ما:
10771 - حدثنا به ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، عن الحسين بن واقد، عن يزيد، عن عكرمة والحسن البصري قالا: قال: فكلوا مما ذكر اسم الله عليه إن كنتم بآياته مؤمنين ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق فنسخ واستثنى من ذلك، فقال: وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم.
والصواب من القول في ذلك عندنا، أن هذه الآية محكمة فيما أنزلت لم ينسخ منها شئ، وأن طعام أهل الكتاب حلال وذبائحهم ذكية. وذلك مما حرم الله على المؤمنين أكله بقوله: ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه بمعزل، لان الله إنما حرم علينا بهذه الآية الميتة وما أهل به للطواغيت، وذبائح أهل الكتاب ذكية سموا عليها أو لم يسموا لأنهم أهل توحيد وأصحاب كتب لله يدينون بأحكامها، يذبحون الذبائح بأديانهم كما ذبح المسلم بدينه، سمى الله على ذبيحته أو لم يسمه، إلا أن يكون ترك من ذكر تسمية الله على ذبيحته على الدينونة بالتعطيل، أو بعبادة شئ سوى الله، فيحرم حينئذ أكل ذبيحته سمى الله عليها أو لم يسم. القول في تأويل قوله تعالى:
* (أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون) *.
وهذا الكلام من الله جل ثناؤه يدل على نهيه المؤمنين برسوله يومئذ عن طاعة بعض المشركين الذين جادلوهم في أكل الميتة بما ذكرنا عنهم من جدالهم إياهم به، وأمره إياهم بطاعة مؤمن منهم كان كافرا، فهداه جل ثناؤه لرشده ووفقه للايمان، فقال لهم: إطاعة من كان ميتا، يقول: من كان كافرا. فجعله جل ثناؤه لانصرافه عن طاعته وجهله بتوحيده وشرائع دينه وتركه الاخذ بنصيبه من العمل لله بما يؤديه إلى نجاته، بمنزلة الميت الذي لا