نبينا محمد (ص): وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا فكل ذلك من الله مسألة للرسل على وجه الاستشهاد لهم على من أرسلوا إليه من الأمم وللمرسل إليهم على وجه التقرير والتوبيخ، وكل ذلك بمعنى القصص والخبر. فأما الذي هو عن الله منفى من مسألته خلقه، فالمسألة التي هي مسألة استرشاد واستثبات فيما لا يعلمه السائل عنها ويعلمه المسؤول، ليعلم السائل علم ذلك من قبله.
فذلك غير جائز أن يوصف الله به لأنه العالم بالأشياء قبل كونها وفي حال كونها وبعد كونها، وهي المسألة التي نفاها جل ثناؤه عن نفسه بقوله: فيومئذ لا يسئل عن ذنبه إنس وجان، وبقوله: ولا يسئل عن ذنوبهم المجرمون يعني: لا يسأل عن ذلك أحدا منهم على مستثبت، ليعلم علم ذلك من قبل من سأل منه، لأنه العالم بذلك كله وبكل شئ غيره. وقد ذكرنا ما روي في معنى ذلك من الخبر في غير هذا الموضع، فكرهنا إعادته. وقد روي عن ابن عباس أنه كان يقول في معنى قوله: فلنقصن عليهم بعلم أنه ينطق لهم كتاب عملهم عليهم بأعمالهم. هذا قول غير بعيد من الحق، غير أن الصحيح من الخبر عن رسول الله (ص) أنه قال: ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه يوم القيامة ليس بينه وبينه ترجمان، فيقول له: أتذكر يوم فعلت كذا وفعلت كذا؟ حتى يذكره ما فعل في الدنيا. والتسليم لخبر رسول الله (ص) أولى من التسليم لغيره. القول في تأويل قوله تعالى:
* (والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون) *.
الوزن: مصدر من قول القائل: وزنت كذا وكذا، أزنه وزنا وزنة، مثل: وعدته أعده وعدا وعدة، وهو مرفوع بالحق، والحق به. ومعنى الكلام: والوزن يوم نسأل الذين أرسل إليهم والمرسلين، الحق. ويعني بالحق: العدل. وكان مجاهد يقول: الوزن في هذا الموضع: القضاء.