فإن قال قائل: أو ليس قوله: أو هم قائلون خبرا عن الوقت الذي أتاهم فيه بأس الله من النهار؟ قيل: بلى. فإن قال: أو ليس المواقيت في مثل هذا تكون في كلام العرب بالواو الدال على الوقت؟ قيل: إن ذلك وإن كان كذلك، فإنهم قد يحذفون من مثل هذا الموضع استثقالا للجمع بين حرفي عطف، إذ كان أو عندهم من حروف العطف، وكذلك الواو، فيقولون: لقيتني مملقا أو أنا مسافر، بمعنى: أو وأنا مسافر، فيحذفون الواو وهم مريدوها في الكلام لما وصفت. القول في تأويل قوله تعالى:
* (فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا إلا أن قالوا إنا كنا ظالمين) *.
يقول تعالى ذكره: فلم يكن دعوى أهل القرية التي أهلكناها إذ جاءهم بأسنا وسطوتنا بياتا أو هم قائلون، إلا اعترافهم على أنفسهم بأنهم كانوا إلى أنفسهم مسيئين وبربهم آثمين ولأمره ونهيه مخالفين. وعنى بقوله جل ثناؤه: دعواهم في هذا الموضع دعاءهم.
وللدعوى في كلام العرب وجهان: أحدهما الدعاء والآخر الادعاء للحق. ومن الدعوى التي معناها الدعاء قول الله تبارك وتعالى: فما زالت تلك دعواهم ومنه قول الشاعر:
وإن مذلت رجلي دعوتك أشتفي * بدعواك من مذل بها فيهون وقد بينا فيما مضى قبل أن البأس والبأساء: الشدة، بشواهد ذلك الدالة على صحته، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. وفي هذه الآية الدلالة الواضحة على صحة ما جاءت به الرواية عن رسول الله (ص) من قوله: ما هلك قوم حتى يعذروا من أنفسهم. وقد تأول ذلك كذلك بعضهم.
11137 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن أبي سنان، عن عبد الملك بن ميسرة الزراد، قال: قال عبد الله بن مسعود، قال رسول الله (ص): ما هلك قوم حتى يعذروا من أنفسهم قال: قلت لعبد الملك: كيف يكون ذلك؟ قال: فقرأ هذه الآية: فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا... الآية