أمرتهم به وأنههم عما نهيتهم عنه، لحاجة لي إليهم ولا إلى أعمالهم، ولكن لا تفضل عليهم برحمتي وأثيبهم على إحسانهم إن أحسنوا، فإني ذو الرأفة والرحمة.
وأما قوله: إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء فإنه يقول: إن يشأ ربك يا محمد الذي خلق خلقه لغير حاجة منه إليهم وإلى طاعتهم إياه يذهبكم يقول: يهلك خلقه هؤلاء الذين خلقهم من ولد آدم ويستخلف من بعدكم ما يشاء يقول: ويأت بخلق غيركم، وأمم سواكم يخلفونكم في الأرض من بعدكم، يعني: من بعد فنائكم وهلاككم.
كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين كما أحدثكم وابتدعكم من بعد خلق آخرين كانوا قبلكم. ومعنى من في هذا الموضع: التعقيب، كما يقال في الكلام أعطيتك من دينارك ثوبا، بمعنى: مكان الدينار ثوبا، لا أن الثوب من الدينار بعض، كذلك الذين خوطبوا بقوله: كما أنشأكم لم يرد بإخبارهم هذا الخبر أنهم أنشئوا من أصلاب قوم آخرين، ولكن معنى ذلك ما ذكرنا من أنهم أنشئوا مكان خلق خلف قوم آخرين قد هلكوا قبلهم.
والذرية من قول القائل: ذرأ الله الخلق، بمعنى خلقهم فهو يذرؤهم، ثم ترك الهمزة فقيل:
ذرا الله، ثم أخرج الفعيلة بغير همز على مثال العلية. وقد روى عن بعض المتقدمين أنه كان يقرأ: من ذريئة قوم آخرين على مثال فعيلة. وعن آخر أنه كان يقرأ: ومن ذرية على مثال علية. والقراءة التي عليها القراء في الأمصار: ذرية بضم الذال وتشديد الياء على مثال علية. وقد بينا اشتقاق ذلك فيما مضى قبل بما أغنى عن إعادته ههنا. وأصل الانشاء:
الاحداث، يقال: قد أنشأ فلان يحدث القوم، بمعنى: ابتدأ وأخذ فيه. القول في تأويل قوله تعالى:
* (إن ما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين) *.
يقول تعالى ذكره للمشركين به: أيها العادلون بالله الأوثان والأصنام، إن الذي يوعدكم به ربكم من عقابه على إصراركم على كفركم واقع بكم وما أنتم بمعجزين،