وأما قوله: إنه لا يحب المعتدين فإن معناه: إن ربكم لا يحب من اعتدى فتجاوز حده الذي حده لعباده في دعائه ومسألته ربه، ورفعه صوته فوق الحد الذي حد لهم في دعائهم إياه ومسألتهم وفي غير ذلك من الأمور. كما:
11471 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا معتمر بن سليمان، قال: أنبأنا إسماعيل بن حماد بن أبي سليمان عن عباد بن عباد، عن علقمة، عن أبي مجلز: ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين قال: لا يسأل منازل الأنبياء عليهم السلام.
11472 - حدثني القاسم قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس: إنه لا يحب المعتدين في الدعاء ولا في غير. قال ابن جريج: إن من الدعاء اعتداء يكره رفع الصوت والنداء والصياح بالدعاء، ويؤمر بالتضرع والاستكانة. القول في تأويل قوله تعالى:
* (ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها وادعوه خوفا وطمعا إن رحمة الله قريب من المحسنين) *.
يعني تعالى ذكره بقوله: ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها لا تشركوا بالله في الأرض ولا تعصوه فيها وذلك هو الفساد فيها. وقد ذكرنا الرواية في ذلك فيما مضى وبينا معناه بشواهده. بعد إصلاحها يقول: بعد إصلاح الله إياها لأهل طاعته بابتعاثه فيهم الرسل دعاة إلى الحق، وإيضاحه حججه لهم. وادعوه خوفا وطمعا يقول: وأخلصوا له الدعاء والعمل، ولا تشركوا في عملكم له شيئا غيره من الآلهة والأصنام وغير ذلك، وليكن ما يكون منكم في ذلك خوفا من عقابه وطمعا في ثوابه وإن من كان دعاؤه إياه على غير ذلك فهو بالآخرة من المكذبين، لان من لم يخف عقاب الله ولم يرج ثوابه لم يبال ما ركب من أمر يسخطه الله ولا يرضاه. إن رحمة الله قريب من المحسنين يقول تعالى ذكره: إن ثواب الله الذي وعد المحسنين على إحسانهم في الدنيا قريب منهم. وذلك هو رحمته لأنه ليس بينهم وبين أن يصيروا إلى ذلك من رحمته وما أعد لهم من كرامته، إلا أن تفارق أرواحهم أجسادهم ولذلك من المعنى ذكر قوله: قريب وهو من خبر الرحمة والرحمة مؤنثة، لأنه أريد به القرب في الوقت لا في النسب والأوقات بذلك المعنى، إذا رفعت أخبارا للأسماء أجرتها العرب مجرى الحال فوحدتها مع الواحد والاثنين والجميع وذكرتها مع المؤنث، فقالوا: كرامة الله بعيد من فلان، وهي قريب من فلان، كما يقولون: هند