قال: يؤتى بالرجل يوم القيامة إلى الميزان، فيوضع في الكفة، فيخرج له تسعة وتسعون سجلا فيها خطاياه وذنوبه. قال: ثم يخرج له كتاب مثل الأنملة، فيها شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله (ص). قال: فتوضع في الكفة فترجح بخطاياه وذنوبه.
فكذلك وزن الله أعمال خلقه بأن يوضع العبد وكتب حسناته في كفة من كفتي الميزان، وكتب سيئاته في الكفة الأخرى، ويحدث الله تبارك وتعالى ثقلا وخفة في الكفة التي الموزون بها أولى احتجاجا من الله بذلك على خلقه كفعله بكثير منهم من استنطاق أيديهم وأرجلهم، استشهادا بذلك عليهم، وما أشبه ذلك من حججه. ويسئل من أنكر ذلك، فيقال له: إن الله أخبرنا تعالى ذكره أنه يثقل موازين قوم في القيامة ويخفف موازين آخرين، وتظاهرت الاخبار عن رسول الله (ص) بتحقيق ذلك، فما الذي أوجب لك إنكار الميزان أن يكون هو الميزان الذي وصفنا صفته الذي يتعارفه الناس؟ أحجة عقل؟ فقد يقال: وجه صحته من جهة العقل، وليس في وزن الله جل ثناؤه خلقه وكتب أعمالهم، لتعريفهم أثقل القسمين منها بالميزان خروج من حكمة، ولا دخول في جور في قضية، فما الذي أحال ذلك عندك من حجة أو عقل أو خبر؟ إذ كان لا سبيل إلى حقيقة القول بإفساد ما لا يدفعه العقل إلا من أحد الوجهين اللذين ذكرت ولا سبيل إلى ذلك. وفي عدم البرهان على صحة دعواه من هذين الوجهين وضوح فساد قوله وصحة ما قاله أهل الحق في ذلك.
وليس هذا الموضع من مواضع الاكثار في هذا المعنى على من أنكر الميزان الذي وصفنا صفته، إذ كان قصدنا في هذا الكتاب البيان عن تأويل القرآن دون غيره، ولولا ذلك لقرنا إلى ما ذكرنا نظائره، وفي الذي ذكرنا من ذلك كفاية لمن وفق لفهمه إن شاء الله. القول في تأويل قوله تعالى:
* (ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون) *.
يقول جل ثناؤه: ومن خفت موازين أعماله الصالحة فلم تثقل بإقراره بتوحيد الله والايمان به وبرسوله واتباع أمره ونهيه، فأولئك الذين غبنوا أنفسهم حظوظها من جزيل ثواب الله وكرامته بما كانوا بآياتنا يظلمون يقول: بما كانوا بحجج الله وأدلته يجحدون، فلا يقرون بصحتها، ولا يوقنون بحقيقتها. كالذي: