القيامة خلقا أحياء كما بدأهم في الدنيا خلقا أحياء، يقال منه: بدأ الله الخلق يبدؤهم وأبدأهم يبدئهم إبداء بمعنى خلقهم، لغتان فصيحتان. ثم ابتدأ الخبر جل ثناؤه عما سبق من علمه في خلقه وجرى به فيهم قضاؤه، فقال: هدى الله منهم فريقا فوفقهم لصالح الأعمال فهم مهتدون، وحق على فريق منهم الضلالة عن الهدى والرشاد، باتخاذهم الشيطان من دون الله وليا.
وإذا كان التأويل هذا، كان الفريق الأول منصوبا بإعمال هدى فيه، والفريق الثاني بوقوع قوله حق على عائد ذكره في عليهم، كما قال جل ثناؤه: يدخل من يشاء في رحمته والظالمين أعد لهم عذابا أليما. ومن وجه تأويل ذلك إلى أنه كما بدأكم في الدنيا صنفين: كافرا، ومؤمنا، كذلك تعودون في الآخرة فريقين: فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة نصب فريقا الأول بقوله: تعودون، وجعل الثاني عطفا عليه. وقد بينا الصواب عندنا من القول فيه.
القول في تأويل قوله تعالى: إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون.
يقول تعالى ذكره: إن الفريق الذي حق عليهم الضلالة إنما ضلوا عن سبيل الله وجاروا عن قصد المحجة، باتخاذهم الشياطين نصراء من دون الله وظهراء، جهلا منهم بخطأ ما هم عليه من ذلك بل فعلوا ذلك وهم يظنون أنهم على هدى وحق، وأن الصواب ما أتوه وركبوا. وهذا من أبين الدلالة على خطأ قول من زعم أن الله لا يعذب أحدا على معصية ركبها أو ضلالة اعتقدها إلا أن يأتيها بعد علم منه بصواب وجهها فيركبها عنادا منه لربه فيها، لان ذلك لو كان كذلك، لم يكن بين فريق الضلالة الذي ضل وهو يحسب أنه هاد وفريق الهدى فرق، وقد فرق الله بين أسمائهما وأحكامهما في هذه الآية. القول في تأويل قوله تعالى:
* (يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين) *.
يقول تعالى ذكره لهؤلاء الذين يتعرون عند طوافهم ببيته الحرام ويبدون عوراتهم