ذهبت، وإنما معنى ذلك: فاهبط من الجنة، فإنه لا يسكن الجنة متكبر عن أمر الله، فأما غيرها فإنه قد يسكنها المستكبر عن أمر الله والمستكين لطاعته.
وقوله: فاخرج إنك من الصاغرين يقول: فاخرج من الجنة إنك من الذين قد نالهم من الله الصغار والذل والمهانة، يقال منه: صغر يصغرا وصغرانا وقد قيل: صغر يصغر صغارا وصغارة. وبنحو الذي قلنا قال السدي.
11165 - حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: فاخرج إنك من الصاغرين والصغار: هو الذل. القول في تأويل قوله تعالى:
* (قال أنظرني إلى يوم يبعثون قال إنك من المنظرين) *.
وهذه أيضا جهلة أخرى من جهلاته الخبيثة، سأل ربه ما قد علم أنه لا سبيل لاحد من خلق الله إليه وذلك أنه سأل النظرة إلى قيام الساعة، وذلك هو يوم يبعث فيه الخلق، ولو أعطي ما سأل من النظرة كان قد أعطي الخلود وبقاء لا فناء معه، وذلك أنه لا موت بعد البعث. فقال جل ثناؤه له: إنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم وذلك إلى اليوم الذي قد كتب الله عليه فيه الهلاك والموت والفناء لأنه لا شئ يبقى فلا يفنى غير ربنا الحي الذي لا يموت، يقول الله تعالى ذكره: كل نفس ذائقة الموت. والانظار في كلام العرب: التأخير، يقال منه: أنظرته بحقي عليه، أنظره به إنظارا.
فإن قال قائل: فإن الله قد قال له إذ سأله الانظار إلى يوم يبعثون: إنك من المنظرين في هذا الموضع، فقد أجابه إلى ما سأل؟ قيل له: ليس الامر كذلك، وإنما كان مجيبا له إلى ما سأل لو كان قال له: إنك من المنظرين إلى الوقت الذي سألت، أو إلى يوم البعث، أو إلى يوم يبعثون، أو ما أشبه ذلك مما يدل على إجابته إلى ما سأل من النظرة.
وأما قوله: إنك من المنظرين فلا دليل فيه لولا الآية الأخرى التي قد بين فيها مدة إنظاره إياه إليها، وذلك قوله: فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم على المدة التي أنظره إليها، لأنه إذا أنظره يوما واحدا أو أقل منه أو أكثر، فقد دخل في عداد المنظرين وتم فيه وعد الله الصادق، ولكنه قد بين قدر مدة ذلك بالذي ذكرناه، فعلم بذلك الوقت الذي أنظر إليه. وبنحو ذلك كان السدي يقول.