يكون مجهولا، والميتة فعل له فنصبت على أنها فعل يكون، وذكروا يكون لتذكير المضمر في يكون. وقرأ ذلك بعض قراء أهل مكة والكوفة: إلا أن تكون بالتاء ميتة بتخفيف الياء من الميتة ونصبها. وكأن معنى نصبهم الميتة معنى الأولين، وأنثوا تكون لتأنيث الميتة، كما يقال: إنها قائمة جاريتك، وإنه قائم جاريتك، فيذكر المجهول مرة ويؤنث أخرى لتأنيث الاسم الذي بعده. وقرأ ذلك بعض المدنيين: إلا أن تكون ميتة بالتاء في تكون، وتشديد الياء من ميتة ورفعها، فجعل الميتة اسم تكون، وأنث تكون لتأنيث الميتة، وجعل تكون مكتفية بالاسم دون الفعل، لأنه قوله: إلا أن تكون ميتة استثناء، والعرب تكتفي في الاستثناء بالأسماء عن الأفعال، فيقولون: قام الناس إلا أن يكون أخاك، وإلا أن يكون أخوك، فلا تأتي ليكون بفعل، وتجعلها مستغنية بالاسم، كما يقال: قام القوم إلا أخاك وإلا أخوك، فلا يعتد الاسم الذي بعد حرف الاستثناء نفلا.
والصواب من القراءة في ذلك عندي: إلا أن يكون بالياء ميتة بتخفيف الياء ونصب الميتة، لان الذي في يكون من المكنى من ذكر المذكر، وإنما هو: قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه، إلا أن يكون ذلك ميتة أو دما مسفوحا. فأما قراءة ميتة بالرفع، فإنه وإن كان في العربية غير خطأ فإنه في القراءة في هذا الموضع غير صواب، لان الله يقول: أو دما مسفوحا فلا خلاف بين الجميع في قراءة الدم بالنصب، وكذلك هو في مصاحف المسلمين، وهو عطف على الميتة. فإذ كان ذلك كذلك، فمعلوم أن الميتة لو كانت مرفوعة لكان الدم وقوله أو فسقا مرفوعين، ولكنها منصوبة فيعطف بهما عليها بالنصب.
القول في تأويل قوله تعالى: فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور رحيم.
وقد ذكرنا اختلاف أهل التأويل في تأويل قوله: فمن اضطر غير باع ولا عاد.
والصواب من القول فيه عندنا فيما مضى من كتابنا هذا في سورة البقرة بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع، وأن معناه: فمن اضطر إلى أكل ما حرم الله من أكل الميتة والدم المسفوح أو لحم الخنزير، أو ما أهل لغير الله به، غير باغ في أكله إياه تلذذا، لا لضرورة حالة من الجوع، ولا عاد في أكله بتجاوزه ما حده الله وأباحه له من أكله، وذلك أن يأكل منه ما يدفع عنه الخوف على نفسه بترك أكله من الهلاك لم يتجاوز ذلك إلى أكثر منه، فلا حرج