* (وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون) *.
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): لا تطع هؤلاء العادلين بالله الأنداد يا محمد فيما دعوك إليه من أكل ما ذبحوا لآلهتهم، وأهلوا به لغير ربهم وأشكالهم من أهل الزيغ والضلال، فإنك إن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن دين الله ومحجة الحق والصواب فيصدوك عن ذلك. وإنما قال الله لنبيه: وإن تطع أكثر من في الأرض من بني آدم، لأنهم كانوا حينئذ كفارا ضلالا، فقال له جل ثناؤه: لا تطعهم فيما دعوك إليه، فإنك إن تطعهم ضللت ضلالهم وكنت مثلهم لأنهم لا يدعونك إلى الهدى وقد أخطأوه. ثم أخبر جل ثناؤه عن حال الذين نهى نبيه عن طاعتهم فيما دعوه إليه في أنفسهم، فقال: إن يتبعون إلا الظن فأخبر جل ثناؤه أنهم من أمرهم على ظن عند أنفسهم، وحسبان على صحة عزم عليه وإن كان خطأ في الحقيقة. وإن هم إلا يخرصون يقول: ما هم إلا متخرصون يظنون ويوقعون حزرا لا يقين علم، يقال منه: خرص يخرص خرصا وخرصا: أي كذب وتخرص بظن وتخرص بكذب، وخرصت النخل أخرصه، وخرصت إبلك: أصابها البرد والجوع.
القول في تأويل قوله تعالى:
* (إن ربك هو أعلم من يضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين) *.
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): يا محمد إن ربك الذي نهاك أن تطيع هؤلاء العادلين بالله الأوثان، لئلا يضلوك عن سبيله، هو أعلم منك ومن جميع خلقه، أي خلقه يضل عن سبيله بزخرف القول الذي يوحي الشياطين بعضهم إلى بعض، فيصدوا عن طاعته واتباع ما أمر به. وهو أعلم بالمهتدين يقول: وهو أعلم أيضا منك ومنهم بمن كان على استقامة وسداد، لا يخفى عليه منهم أحد. يقول: واتبع يا محمد ما أمرتك به، وانته عما نهيتك عنه من طاعة من نهيتك عن طاعته، فإني أعلم بالهادي والمضل من خلقي منك.
واختلف أهل العربية في موضع من في قوله: إن ربك هو أعلم من يضل. فقال بعض نحويي البصرة: موضعه خفض بنية الباء، قال: ومعنى الكلام: إن ربك هو أعلم بمن يضل. وقال بعض نحويي الكوفة: موضعه رفع، لأنه بمعنى أي، والرافع له يضل.