فإن قال قائل: وكيف قيل: فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا إلا أن قالوا إنا كنا ظالمين وكيف أمكنتهم الدعوى بذلك وقد جاءهم بأس الله بالهلاك، أقالوا ذلك قبل الهلاك؟ فإن كانوا قالوه قبل الهلاك، فإنهم قالوا قبل مجئ البأس، والله يخبر عنهم أنهم قالوه حين جاءهم لا قبل ذلك، أو قالوه بعد ما جاءهم فتلك حالة قد هلكوا فيها، فكيف يجوز وصفهم بقيل ذلك إذا عاينوا بأس الله وحقيقة ما كانت الرسل تعدهم من سطوة الله؟
قيل: ليس كل الأمم كان هلاكها في لحظة ليس بين أوله وآخره مهل، بل كان منهم من غرق بالطوفان، فكان بين أول ظهور السبب الذي علموا أنهم به هالكون وبين آخره الذي عم جميعهم هلاكه المدة التي لا خفاء بها على ذي عقل ومنهم من متع بالحياة بعد ظهور علامة الهلاك لأعينهم أياما ثلاثة، كقوم صالح وأشباههم، فحينئذ لما عاينوا أوائل بأس الله الذي كانت رسل الله تتوعدهم به وأيقنوا حقيقة نزول سطوة الله بهم، دعوا: يا ويلنا إنا كنا ظالمين فلم يك ينفعهم إيمانهم مع مجئ وعيد الله وحلول نقمته بساحتهم، فحذر ربنا جل ثناؤه الذين أرسل إليهم نبيه (ص) من سطوته وعقابه على كفرهم به وتكذيبهم رسوله، ما حل بمن كان قبلهم من الأمم، إذ عصوا رسله واتبعوا أمر كل جبار عنيد. القول في تأويل قوله تعالى:
* (فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين) *.
يقول تعالى ذكره: لنسألن الأمم الذين أرسلت إليهم رسلي ماذا عملت فيما جاءتهم به الرسل من عندي من أمري ونهيي، هل عملوا بما أمرتهم به وانتهوا عما نهيتهم عنه وأطاعوا أمري، أم عصوني، فخالفوا ذلك؟ ولنسألن المرسلين يقول: ولنسألن الرسل الذين أرسلتهم إلى الأمم، هل بلغتهم رسالاتي وأدت إليهم ما أمرتهم بأدائه إليه، أم قصروا في ذلك ففرطوا ولم يبلغوهم؟.
وكذلك كان أهل التأويل يتأولونه. ذكر من قال ذلك:
11138 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قوله: فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين قال: يسأل الله الناس عما أجابوا المرسلين، ويسأل المرسلين عما بلغوا.
11139 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي،