والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إن كل هذه القراءات الثلاث التي ذكرناها سوى القراءة التي ذكرنا عن عطية قراءات معروفة مستفيضة القراءة بها في قراء الأمصار، وهن متفقات المعاني غير مختلفات، فبأي ذلك قرأ القارئ فمصيب فيه الصواب.
وأما قوله: إلا ما اضطررتم إليه فإنه يعني تعالى ذكره: أن ما اضطررنا إليه من المطاعم المحرمة التي بين تحريمها لنا في غير حال الضرورة لنا حلال ما كنا إليه مضطرين، حتى تزول الضرورة. كما:
10739 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: إلا ما اضطررتم إليه من الميتة.
القول في تأويل قوله تعالى: وإن كثيرا ليضلون بأهوائهم بغير علم إن ربك هو أعلم بالمعتدين.
يقول تعالى ذكره: وإن كثيرا من الناس الذين يجادلونكم في أكل ما حرم الله عليكم أيها المؤمنون بالله من الميتة ليضلون أتباعهم بأهوائهم بغير علم منهم بصحة ما يقولون، ولا برهان عندهم بما فيه يجادلون، إلا ركوبا منهم لأهوائهم، واتباعا منهم لدواعي نفوسهم، اعتداء وخلافا لأمر الله ونهيه، وطاعة للشياطين. إن ربك هو أعلم بالمعتدين يقول: إن ربك يا محمد الذي أحل لك ما أحل وحرم عليك ما حرم، هو أعلم بمن اعتدى حدوده فتجاوزها إلى خلافها، وهو لهم بالمرصاد.
واختلفت القراء في قراءة قوله: ليضلون فقرأته عامة أهل الكوفة: ليضلون بمعنى: أنهم يضلون غيرهم. وقرأ ذلك بعض البصريين والحجازيين: ليضلون بمعنى:
أنهم هم الذين يضلون عن الحق فيجورون عنه.
وأولى القراءتين بالصواب في ذلك، قراءة من قرأ: وإن كثيرا ليضلون بأهوائهم بمعنى: أنهم يضلون غيرهم وذلك أن الله جل ثناؤه أخبر نبيه (ص) عن إضلالهم من تبعهم ونهاه عن طاعتهم واتباعهم إلى ما يدعونه إليه، فقال: وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله ثم أخبر أصحابه عنهم بمثل الذي أخبره عنهم، ونهاهم من قبول