والأمر الثاني، لقد أتيتكم بالعقيدة الخاتمة والشريعة الخاتمة، بيضاء نقية، وهؤلاء قد غيروا عقائدهم وشرائعهم وحرفوها حتى صارت كدرة مخلوطة.. فما لكم تستبدلون الأبلج المشرق بالداكن المظلم، والزلال الصافي بالآسن الكدر؟!!
والأمر الثالث، إن الله أمرني أن أنهاكم عن السير وراء هؤلاء والتأثر بهم كثيرا أو قليلا.. وإن فعلتم فأنتم متهوكون ضالون.
والأمر الرابع، أخبرني ربي بأنكم ستتهوكون وتضيعون كما ضاعت اليهود والنصارى، وقد بدأت بوادره فيكم.. فإني أحذركم المتهوكين منكم الذين هم في الواقع أتباع لهم، وضائعون ضالون مثلهم، وإني أنهاكم عنهم كما نهيتكم عن أسيادهم، ولعل التأثر بالتابع أسوأ من التأثر بالمتبوع!!
وثالث هذه الدلالات، أن النبي صلى الله عليه وآله عندما رأى الكيل طفح والخطر وصل إلى البيت، نفد صبره النبوي.. ولكنه لم يجب عمر على كلامه! بل قرر هذه المرة أن يدعو المسلمين إلى اجتماع طارئ ويخاطبهم بدل أن يخاطب عمر.. ولعل السبب في ذلك أن واجبه إقامة الحجة وقد أقامها على عمر مرات.. وقد بقي عليه أن يقيمها على المسلمين.. أو لأنه يريد الاحتفاظ بعلاقته مع عمر ولا يقطعها أو يوترها.
لكن قد يكون النبي صلى الله عليه وآله عندما سمع جواب عمر أجابه جوابا شديدا، ولكن الخليفة لم ينقله، ولا نقله الرواة خوفا من الخليفة، كما أنهم لم ينقلوا الرواية إلا عن لسان الخليفة!
مهما يكن، فقد جاء تحذيره صلى الله عليه وآله قويا شديدا حاسما، أقام فيه الحجة عليهم جميعا بمن فيهم عمر، وبين للمسلمين غناهم عن استيراد ثقافة أهل الكتاب، وخط لهم دونها خطا أحمر!
ورابع هذه الدلالات، أن أحدا غير الخليفة عمر لم ينقل هذه الحادثة الخطيرة ولا شيئا من خطبة النبي صلى الله عليه وآله في هذا الموضوع الخطير، إلا ما رواه الشيعة!
وهذا يدل على سيطرة الخليفة عمر ونفوذه الكامل بعد النبي صلى الله عليه وآله بحيث أن أحدا لا يجرؤ أن ينقل قصة يمكن أن تكون طعنا فيه، إلى أن ينقلها هو بالصيغة التي يختارها.. والحمد لله أن من صفات الخليفة عمر أنه كان كثير الحديث عن أموره بجرأة واطمئنان.. ولولا ذلك لما وصلت إلينا نتف هذه الرواية وأمثالها!!