إن رواية الشاب عبد الله بن عمرو بن العاص المتقدمة ومثلها غيرها، تكشف حقيقة كانت موجودة حول النبي صلى الله عليه وآله، وهي أن القرشيين الذين دخلوا في الإسلام باختيارهم أو دخلوا فيه مجبرين بعد هزيمتهم على يد النبي صلى الله عليه وآله.. كانوا يخافون أن يكرس النبي القيادة لعشيرته من بعده، فكانوا حساسين من الأمور التي تؤدي إلى ذلك، ومنها أمر تدوين سنته وأقواله وأفعاله! لذلك كونوا حركة معادية للنبي مخالفة لتدوين كلامه الشريف، وكانت حركة نفاق قرشية لا مدنية، وكانت تعمل سرا داخل الصحابة، وتتصل بالشباب الذين يدونون أحاديثه الشريفة مثل عبد الله بن عمرو بن العاص وتنهاهم عن ذلك!
وقد حاول أحد أعضائها - أو أكثر من واحد - أن يقنع هذا الشاب القرشي غير الهاشمي بترك عادة الكتابة لحديث النبي، بحجة أن النبي بشر وقد يغضب ويتكلم على أشخاص بغير حق أو يهددهم أو يلعنهم، فإذا كتب أحد ذلك فقد سجله التاريخ وصار جزء من السيرة والدين، وهو أمر مضر بمصلحة هؤلاء الأشخاص!
وقد جاء موقف النبي في الرد عليهم حاسما، فقد أمره بمواصلة الكتابة وأخبره بأن منطقه مصون بعصمة الله تعالى في الرضا والغضب وما ينطق عن الهوى.
وروى الهيثمي في مجمع الزوائد ج 1 ص 151 رواية أخرى (عن عبد الله بن عمرو قال كان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ناس من أصحابه وأنا معهم وأنا أصغر القوم فقال النبي صلى الله عليه وسلم من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار.
فلما خرج القوم قلت كيف تحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سمعتم ما قال! وأنتم تنهمكون في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! فضحكوا فقالوا: يا بن أخينا إن كل ما سمعنا منه عندنا في كتاب!) انتهى.
ويظهر أن هذه الرواية متقدمة زمنيا على رواية نهيهم إياه عن الكتابة، وأن النبي صلى الله عليه وآله حذرهم في ذلك المجلس بشدة من الكذب عليه، فلما خرجوا من عند النبي صلى الله عليه وآله حاورهم هذا الشاب بصفائه وقال لهم: إنكم سمعتم لتوكم تحذير النبي لمن يكذب عليه ووعيده له بنار جهنم، وأنا أراكم دائما تتحدثون عن لسانه بما لم يقل؟! فضحكوا منه وقالوا له: أيها الولد إننا نكتب حديثه مثلك ونتحدث مما هو مكتوب عندنا!!