والمراد بقوله (يتلوه) هو التلاوة بمعنى القراءة وعلى هذا التقدير فذكروا في تفسير الشاهد وجوها: أحدها: أنه جبريل عليه السلام، والمعنى: أن جبريل عليه السلام يقرأ القرآن على محمد عليه السلام. وثانيها: أن ذلك الشاهد هو لسان محمد عليه السلام وهو قول الحسن، ورواية عن محمد بن الحنفية عن علي رضي الله عنهما قال: قلت لأبي أنت التالي قال: وما معنى التالي قلت قوله (ويتلوه شاهد منه) قال وددت أني هو ولكنه لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولما كان الإنسان إنما يقرأ القرآن ويتلوه بلسانه لا جرم جعل اللسان تاليا على سبيل المجاز كما يقال: عين باصرة وأذن سامعة ولسان ناطق. وثالثها: أن المراد هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه، والمعنى أنه يتلو تلك البينة وقوله (منه) أي هذا الشاهد من محمد وبعض منه، والمراد منه تشريف هذا الشاهد بأنه بعض من محمد عليه السلام. ورابعها: أن لا يكون المراد بقوله (ويتلوه) القرآن بل حصول هذا الشاهد عقيب تلك البينة، وعلى هذا الوجه قالوا إن المراد: أن صورة النبي عليه السلام ووجهه ومخايله كل ذلك يشهد بصدقه، لأن من نظر إليه بعقله علم أنه ليس بمجنون ولا كاهن، ولا ساحر ولا كذاب، والمراد بكون هذا الشاهد منه كون هذه الأحوال متعلقة بذات النبي صلى الله عليه وسلم.
واعلم أن هذين القولين وإن كانا محتملين إلا أن القول الأول أقوى وأتم) انتهى.
وهكذا اختار هذا المفسر الكبير أن يكون معنى الآية: هل يمكن أن يكون خيار اليهود كالكفار، وهم الذين على بينة من أمرهم ويتلو هذه البينة عليهم توراة موسى، بعد شهادة القرآن!! فقد جعل كتاب موسى فاعل يتلوه، وجعل الشاهد القرآن! ثم قال (فهذا القول أحسن الأقاويل في هذه الآية وأقربها إلى مطابقة اللفظ)!!
فانظر إلى فن التفسير ومطابقته اللفظ للمعنى عند هذا المفسر الفيلسوف!! وكأنه تبع في ذلك الثعالبي حيث قال في الجواهر الحسان ج 2 ص 120 (والراجح عندي من الأقوال في هذه الآية أن يكون (فمن) للمؤمنين أو لهم وللنبي صلى الله عليه وسلم معهم، والبينة القرآن وما تضمن، والشاهد الإنجيل، يريد أو إعجاز القرآن في قول، والضمير في (يتلوه) للبينة، وفي (منه) للرب... الخ).