إلى يعقوب، ارتفعت أهازيج في كنعان. فالبيت الذي لم يخلع أهله عنهم ثياب الحزن والأسى لسنين عديدة، أصبح غارقا في السرور والحبور، فلم يكتموا رضاهم عن هذه النعم الإلهية أبدا.
والآن ينبغي على أهل هذا البيت - وفقا لوصية يوسف - أن يتحركوا ويتجهوا نحو مصر، وتهيأت مقدمات السفر من جميع النواحي، وركب يعقوب راحلته وشفتاه رطبتان بذكر الله وتمجيده، وقد منحه عشق يوسف قوة وعزما إلى درجة وكأنه عاد شابا من جديد.
وهذا السفر على خلاف الأسفار السابقة - التي كانت مقرونة لدى إخوة يوسف بالقلق والحزن - كان خاليا من أية شائبة من شوائب الهم والغم. وحتى لو كان السفر بنفسه متعبا، فهذا التعب لم يكن شيئا ذا بال قبال ما يهدفون إليه في مسيرهم هذا.
كانوا يطوون الليالي والأيام ببطء، لأن الشوق كان يحيل كل دقيقة إلى يوم أو سنة، ولكن إنتهى كل شئ ولاحت معالم مصر وأبنيتها من بعيد بمزارعها الخضر وأشجارها الباسقة السامقة وعماراتها الجميلة.
إلا أن القرآن الكريم - كعادته دائما - حذف هذه المقدمات التي يمكن أن تدرك بأدنى تفكر وتأمل، فقال في هذا الشأن: فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه.
وكلمة " آوى " - كما يقول الراغب في مفرداته - تعني في الأصل انضمام شئ إلى شئ آخر، وضم يوسف أبويه إليه كناية عن احتضانهما ومعانقتهما.
وأخيرا تحققت أحلى سويعات الحياة ليعقوب، وفي هذا اللقاء والوصال الذي تم بين يعقوب ويوسف بعد سنين من الفراق، مرت على يعقوب ويوسف لحظات لا يعلم ا الله عواطفها في تلك اللحظات الحلوة، وأية دموع انسكبت من عينيهما من الفرح.