الدعاء في أعماق روحه، وعلى جميع أبعاد وجوده، ويكون اللسان مجرد ترجمانها، ويتحدث نيابة عن جميع أعضائه.
وأمره تعالى - في الآية الحاضرة - بأن يدعى الله " خفية " وفي السر، لأنه أبعد عن الرياء، وأقرب إلى الإخلاص، ولأجل أن يكون الدعاء مقرونا بتمركز الفكر وحضور القلب.
ونحن نقرأ في حديث أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لما كان في إحدى غزواته، ووصل جنود الإسلام إلى واد رفعوا أصواتهم بالتهليل والتكبير قائلين: " لا إله إلا الله " و " الله أكبر " فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): " يا أيها الناس اربعوا على أنفسكم، أما إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا، إنكم تدعون سميعا قريبا، إنه معكم " (1).
كما ويحتمل في هذه الآية أيضا أن يكون المراد من " التضرع " هو الدعاء الظاهر العلني، والمراد من " الخفية " الدعاء الخفي السري، لأن لكل مقام اقتضاء خاصا، فقد يقتضي أن يكون الدعاء علنا، وربما يقتضي خفية وسرا، وهناك رواية وردت في ذيل هذه الآية تؤيد هذا الموضوع.
ثم قال تعالى في ختام الآية: إنه لا يحب المعتدين أي أن الله لا يحب المعتدين.
ولهذه العبارة معنى وسيع يشمل كل نوع من أنواع العدوان والتجاوز، سواء الصراخ ورفع الصوت عاليا جدا حين الدعاء، أو التظاهر وممارسة الرياء، أو التوجه إلى غير الله حين الدعاء.
وفي الآية اللاحقة يشير تعالى إلى حكم هو في الحقيقة شرط من شروط تأثير الدعاء، إذ قال: ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها.
ومن المسلم أن الأدعية إنما تكون عند الله أقرب إلى الإجابة إذا تحققت فيها