وحدوثه، دون بقائه واستمراره.
إن هذه الجملة تقول: كلا، بل إن العالم كما يحتاج إلى حدوثه إلى الله، كذلك يحتاج إليه في تدبيره واستمرار حياته وإدارة شؤونه إلى الله، ولو أن الله صرف عنايته ولطفه عن الكون لحظة واحدة لتبدد النظام وأنهار وانهدم بصورة كاملة.
وقد مال بعض الفلاسفة إلى أن يفسر عالم " الخلق " بعالم " المادة " وعالم " الأمر " بعالم " ما وراء المادة " لأن لعالم الخلق جانبا تدريجيا، وهذه هي خاصية المادة. ولعالم الأمر جانبا دفعيا وفوريا، وهذه هي خاصية عالم ما وراء المادة، كما نقرأ في قوله تعالى: إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون (1).
ولكن بالنظر إلى موارد استعمال لفظة الأمر في آيات القرآن، وحتى عبارة والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره الواردة في الآية المبحوثة يستفاد الأمر يعني كل أمر إلهي سواء في عالم المادة أو في عالم ما وراء المادة (تأملوا رجاء).
ثم في ختام الآية يقول: تبارك الله رب العالمين.
في الحقيقة إن هذه الجملة - بعد ذكر خلق السماوات والأرض والليل والنهار والشمس والقمر والنجوم وتدبير عالم الوجود - نوع من الثناء على الذات الربوبية المقدسة، وقد سيق لتعليم العباد.
و " تبارك " من مادة البركة وأصلها " برك " ومعناها صدر البعير، حيث أن الإبل عندما تستقر في مكان ما تلصق صدورها على الأرض، لهذا اتخذت هذه الكلمة تدريجيا معنى الثبوت والاستقرار والاستتباب، ثم وصفت وسميت كل نعمة مستقرة ودائمة، وكل كائن طويل العمر، ومستمر الآثار والخيرات، بأنه موجود مبارك، ويقال أيضا للمكان الذي يتجمع فيه الماء " بركة " لبقائه في ذلك