فإن بعض المفسرين سعى لأن يعد هذا الفرار أمرا طبيعيا.
يقول صاحب تفسير المنار ما ملخصه: لما رشق العدو المسلمين بسهامه، كان جماعة قد التحقوا بالمسلمين من مكة، وفيهم المنافقون وضعاف الإيمان والطامعون " للغنائم " ففر هؤلاء جميعا وتقهقروا إلى الخلف، فاضطرب باقي الجيش طبعا، وحسب العادة - لا خوفا - فقد فروا أيضا، وهذا أمر طبيعي عند فرار طائفة فإنه يتزلزل الباقي منهم فيفر أيضا - ففرارهم لا يعني ترك النبي وعدم نصرته أو تسليمه بيد عدوه، حتى يستحقوا غضب الله!! (1) ونحن لا نعلق على هذا الكلام، لكن نتركه للقراء ليحكموا فيه حكمهم.
كما ينبغي أن نذكر هذه المسألة وهي أن " صحيح البخاري " حين يتكلم عن الهزيمة وفرار المسلمين ينقل ما يلي:
فإذا عمر بن الخطاب في الناس، وقلت: (الراوي): ما شأن الناس؟ قال: أمر الله، ثم تراجع الناس إلى رسول الله (2).
غير أننا تجردنا من الأحكام المسبقة، والتفتنا إلى القرآن الكريم، وجدناه لا يذم جماعة بعينها، بل يذم جميع الفارين.
ولا ندري ما الفرق بين قوله تعالى ثم وليتم مدبرين حيث قرأنا هذه العبارة في الآيات محل البحث، وبين عبارة أخرى وردت في الآية (16) من سورة الأنفال إذ تقول ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله؟!
فبناء على ذلك لو ضممنا الآيتين بعضهما إلى بعض لعرفنا أن المسلمين ارتكبوا خطأ كبيرا يومئذ إلا القليل منهم، غاية ما في الأمر أنهم تابوا بعدئذ ورجعوا.