أنه إذا رأى الإنسان عدوه يتربص به ويستعد لنقض عهده، ولديه قرائن على ذلك وعلائم واضحة أن ينهض لمواجهته قبل أن يستغفله ويعلن إلغاء عهده ويرد عليه بما يستحق.
ثانيا: ما المانع من إلغاء العهود والمواثيق التي تفرض في ظروف استثنائية على بعض الأمم والشعوب - فيضطرون مكرهين على قبولهم والرضا بها - من جانب واحد إذا حصلوا على القدرة الكافية لإلغائها.
وعبادة الأصنام ليست عقيدة ولا فكرا، بل هي خرافة ووهم باطل خطر، فيجب القضاء عليها وإزالتها من المجتمع الإنساني، فإذا كانت قوة عبدة الأصنام وقدرتهم بالغة في الجزيزة العربية، وكان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مجبورا على معاهدتهم ومصالحتهم، فإن ذلك لا يعني أنه لا يحق له إلغاء - معاهدته إذا ما قويت شوكته - وأن يبقى على عهده الذي يخالف العقل والمنطق والدراية.
وهذا يشبه تماما ظهور مصلح كبير - مثلا - بين عبدة البقر، فيقوم بعمل إعلامي كبير، وحين يواجه ضغوطا شديدة يضطر إلى عقد هدنة بينهم وعندما يجتمع له أتباع بقدر كاف ينتفض لإزالة هذه الخرافة، والأفكار المنحطة، ويلغي معاهدته.
ولهذا نلحظ أن هذا الحكم مختص بالمشركين، أما أهل الكتاب وسائر الأقوام الذين كانوا في أطراف الجزيرة العربية من الذين كان بينهم وبين النبي نوع من المواثيق والمعاهدات، فقد بقيت على حالها ولم يلغ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مواثيقهم وعهودهم حتى وفاته.
أضف إلى ذلك أن إلغاء عهود المشركين لم يكن قد حدث بصورة مفاجئة، بل أمهلوا مدة أربعة أشهر، وأعلن هذا القرار في الملأ العام، وفي اجتماع الحاج يوم عيد الأضحى، وفي البيت الحرام، لتكون لهم الفرصة الكافية للتفكير، ولتحديد الموقف، لعلهم يرجعون عن تلك الخرافة التي كانت أساس تفرقتهم