ومن هنا نعلم أن من يضع الدين في قوالب جامدة لا روح فيها بعيدا عن مجالات الحياة، ويختزله في مسائل فكرية واجتماعية صرفة فقد جانب الصواب كثيرا، لأن الدين الصحيح هو الذي يبعث الحركة في كل جوانب الحياة، ويحيي الفكر والثقافة والإحساس بالمسؤولية، ويوجد التكامل والرقي والوحدة والتألف، فهو إذا يبعث الحياة في البشرية بكل معنى الكلمة.
وبذلك تتضح هذه الحقيقة أيضا وهي أن الذين فسروا الآية بمعنى واحد هو الجهاد أو الإيمان أو القرآن أو الجنة، واعتبروا كل واحد من هذه الأمور هو العامل الوحيد للحياة في الآية المباركة، هؤلاء في الحقيقة حددوا مفهوم الآية، لأنه يشتمل على كل ذلك وأكثر حيث يندرج، - ضمن مفهوم الآية - كل شئ، وكل فكر، وكل قانون يبعث الروح في جانب من جوانب الحياة.
ثم يقول تعالى: واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون.
إن المقصود بالقلب هنا - كما ذكرنا سابقا - الروح والعقل، أما كيف يحول الله بين المرء وقلبه؟ فقد ذكروا لذلك احتمالات مختلفة....
فتارة قيل: إنه إشارة لشدة قرب الله من عباده، فكأن الله في داخل روح العبد وجسمه، وكما يقول القرآن الكريم: ونحن أقرب إليه من حبل الوريد.
وقيل: إشارة إلى أن تقلب القلوب والأفكار هو بيد الله، كما نقرأ في الدعاء:
(يا مقلب القلوب والأبصار).
وقيل: إن المقصود هو أن الانسان لولا اللطف الإلهي غير قادر على معرفة الحق من الباطل.
وقيل أيضا: إن المقصود هو أنه ما دام للناس فرصة فينبغي عليهم أداء الطاعات وأعمال الخير، لأن الله قد يحول بواسطة الموت بين المرء وقلبه.
ويمكن بنظرة شاملة جمع كل التفاسير في تفسير واحد، هو أن الله عز وجل حاضر وناظر ومهيمن على كل المخلوقات. فإن الموت والحياة والعلم والقدرة