كان أبو سفيان كبير مكة عائدا بقافلة تجارية مهمة مؤلفة من أربعين شخصا، وتحوي على ثروة تجارته تقدر بخمسين ألف دينار من الشام نحو المدينة.
فأمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أصحابه أن يتعبأوا ويتهيأوا لمواجهة هذه القافلة الكبيرة التي تحمل جل رأس مال العدو معها، وبمصادرة أموال القافلة لتوجيه ضربة اقتصادية نحو العدو وتعقبها ضربة عسكرية قاصمة.
وكان للنبي وأصحابه الحق في مثل هذه الحملة أو الهجوم، لأنه - أولا - عندما هاجر المسلمون من مكة نحو المدينة استولى أهل مكة على كثير من أموالهم، ونزلت بهم خسارة كبيرة. فكان لهم الحق أن يجبروا مثل هذه الخسارة.
ثم بعد هذا كله برهن أهل مكة طيلة الثلاثة عشر عاما التي أقام النبي وأصحابه بمكة خلالها أنهم لا يألون جهدا في إيذاء النبي وأصحابه، بل أرادوا به الوقيعة والمكيدة، فإن عدوا كهذا لن يسكت عن النبي ودعوته بمجرد هجرته إلى المدينة، ومن المسلم به أنه سيعبئ قواه في المستقبل لمواجهة النبي والإيقاع به.
إذن فالعقل والمنطق يوجبان أن يسارع المسلمون بمبادرة عاجلة لمصادرة أموال أهل مكة لتدمير دعامتهم الاقتصادية، وليوفروا على أنفسهم إمكانية التهيؤ العكسري والاقتصادي لمواجهة العدو مستقبلا.
وهذه المبادرة كانت ولا تزال في جميع الخطط العسكرية قديمها وحديثها وأما من يرى أن توجه النبي نحو قافلة أبي سفيان - ودون الأخذ بنظر الاعتبار هذه الجهات المشار إليها آنفا - نوعا من الإغارة، فإما أن يكون جاهلا لا يعرف جذور المسائل التأريخية في الإسلام أو أنه مغرض يريد تحوير الواقعيات والثوابت التاريخية.
وعلى كل حال، فإن أبا سفيان عرف عن طريق أتباعه وأصدقائه تصميم النبي على مواجهة قافلته، هذا من جهة، كما أن القافلة حينما كانت متجهة نحو الشام للإتيان بمال التجارة تعرضت لتحركات من هذا القبيل. لهذا فإن أبا سفيان