برمتها، فالأمم التي لا تفكر بنفسها وتتلهى بالأمور التافهة غير الصائبة، ولا تعالج جذور شقائها ولا تطمح لأسباب الرقي، ليس لها آذان سامعة ولا أعين باصرة، فهي من أهل النار أيضا، لا نار القيامة فحسب، بل هي مبتلاة بنار الدنيا وشقائها كذلك.
وفي الآية التالية إشارة إلى حال أهل الجنة وبيان لصفاتهم، فتبدأ الآية بدعوة الناس إلى التدبر والتوجه إلى أسماء الله الحسنى كمقدمة للخروج من صف أهل النار، فتقول: ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها.
والمرد من " أسماء الله الحسنى " هي صفات الله المختلفة التي هي حسنى جميعا، فنحن نعرف أن الله عالم قادر رازق عادل جواد كريم رحيم، كما أن له صفات أخرى حسنى من هذا القبيل أيضا.
فالمراد من دعاء الله بأسمائه الحسنى، ليس هو ذكر هذه الألفاظ وجريانها على اللسان فحسب، كأن نقول مثلا: يا عالم يا قادر يا أرحم الراحمين. بل ينبغي أن نتمثل هذه الصفات في وجودنا ما استطعنا إلى ذلك سبيلا، وأن يشع إشراق من علمه وشعاع من قدرته وجانب من رحمته الواسعة فينا وفي مجتمعنا.
وبتعبير آخر: ينبغي أن نتصف بصفاته ونتخلق بأخلاقه، لنستطيع بهذا الشعاع، شعاع العلم والقدرة والرحمة والعدل أن نخرج أنفسنا ومجتمعنا الذي نعيش فيه من سلك أهل النار...
ثم تحذر الآية من هذا الأمر، وهو أن لا تحرف أسماؤه فتقول: وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون.
والإلحاد - في الأصل - مأخوذ من مادة " اللحد " على زنة " المهد " التي تعني الحفرة التي تقع في طرف واحد، وعلى هذا الأساس فقد سميت الحفرة التي تكون في جانب القبر " لحدا ".
ثم أطلق هذا الاستعمال " الإلحاد " على كل عمل ينحرف عن الحد الوسط