ذلك في صفوف الوثنيين، والحال ليس كذلك، بل حيث إن شعيبا لم يكن مكلفا بالتبليغ، لذلك كان يسكت على أعمالهم، وكانوا يظنون أنه كان على دين الوثنية، في حين أن أحدا من النبيين لم يكن وثنيا حتى قبل زمان النبوة، وإن عقول الأنبياء ودرايتهم كانت أسمى من أن يرتكبوا مثل هذا العمل غير المعقول والسخيف، هذا مضافا إلى أن هذا الخطاب لم يكن موجها إلى شعيب وحده، بل يشمل المؤمنين من أتباعه - أيضا - ويمكن أن يكون هذا الخطاب لهم.
على أن تهديد المعارضين لم يقتصر على هذا، بل كانت هناك تهديدات أخرى سنبحثها في سائر الآيات المرتبطة بشعيب.
وقد أجابهم شعيب في مقابل كل تهديداتهم وخشونتهم تلك بكلمات في غاية البساطة والرفق والموضوعية، إذ قال لهم: وهل في إمكانكم أن تعيدوننا إلى دينكم إذا لم نكن راغبين في ذلك: قال أو لو كنا كارهين (1)؟
وفي الحقيقة يريد شعيب أن يقول لهم: هل من العدل أن تفرضوا عقيدتكم علينا، وتكرهوننا على أن نعتنق دينا ظهر لنا بطلانه وفساده؟ هذا مضافا إلى أنه ما جدوى عقيدة مفروضة، ودين جبري؟!
وفي الآية اللاحقة يواصل شعيب قوله: قد افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها.
إن هذه الجملة في الحقيقة توضيح للجملة السابقة المجملة، ومفهوم هذه الجملة هو: نحن لم نترك الوثنية بدافع الهوى والهوس، بل أدركنا بطلان هذه العقيدة بجلاء، وسمعنا الأمر الإلهي في التوحيد بأذن القلب، فإذا عدنا من عقيدة التوحيد إلى الشرك - والحال هذه - نكون حينئذ قد افترينا على الله عن وعي وشعور، ومن المسلم أن الله سيعاقبنا على ذلك بشدة.