حقيقة وواقعا، بل الجزاء في الدنيا يظهر لبعض كثيرا، فإنا نرى كثيرا من المنغمسين في شهواتهم، يقضون أعمارهم وهم متمتعون بلذاتهم. نعم إنهم لا يسلمون من المنغصات وربما رقتهم الحوائج ابتلوا في أموالهم، واعتلت أجسامهم، وضعفت عقولهم، ولكنه ليس هذا جزاء كاملا لما اقترفوه من عظيم الموبقات وكبير المنكرات.
كذلك نرى كثيرا من المحسنين يبتلون بهضم حقوقهم، ولا ينالون ما يستحقون من حسن الجزاء. نعم إنهم ينالون بعض الجزاء، بإراحة ضمائرهم وسلامة أجسامهم وصفاء ملكاتهم وتهذيب أخلاقهم، ولكن ليس هذا كل ما يستحقون من الجزاء.
فإذا جاء ذلك اليوم استوفى كل عامل جزاء عمله كاملا، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر جزاء وفاقا لما عمل، كما لا يخفى.
فعلى هذا يتعين أن يكون المراد من * (الدين) * هو الحساب، ولعل كلمة " الدين " المستعملة في القرآن كثيرا حتى بلغ أكثر من سبعين موردا أريد منها الحساب، ودين الإسلام وسائر الأديان يسمى بالدين، لأجل أن القوانين محاسبات الأعمال والأفعال، ومحددات المسالك والمعايش والسياسات، فكل ذلك حساب من الله تعالى.
وعلى هذا إذا قيل: هو مالك يوم الحساب والدين، وأريد منه يوم القيامة، فهو باعتبار أن في ذلك اليوم كمال الدين والحساب وظهور الدين والمحاسبة، وتتجلى فيه أحكام الإسلام والقرآن حق التجلي والظهور.