الصابر أفضل من الغني الشاكر، وإن فقره عليه الصلاة والسلام كان اختياريا لا اضطراريا إذ عرضت عليه الدنيا بأسرها فأعرض عنها ولم يقبل شيئا من أسرها، وقال، أجوع يوما فأصبر وأشبع يوما فأشكر ثم أتته الدنيا أيضا بكثرها فلم يلتفت إلى جمعها ولم يرض بمنعها فقام في مقام الإيثار وبذلها على الفجار والأبرار (وما زالت الدنيا علينا كدرة وعسرة) بفتح وكسر فيهما أي متكدرة بحسب الصورة ومتعسرة بسبب الضرورة (حتى فارق صلى الله عليه وسلم الدنيا وانتقل) إلى الدار العليا، (فلما فارق محمد صلى الله عليه وسلم الدنيا) وتركنا في المحنة والبلايا (صبت) بصيغة المجهول أي كبت الدنيا (علينا صبا كثيرا) ولم يكن هذا خيرا بالنسبة إلينا (وفي رواية صب الدنيا علينا صبا) أي بوضع الظاهر موضع المضمر (وفي رواية: " ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام متوالية من خبز البر) وهو لا ينافي ما سبق أن قيد يخبز الشعير، وإن كان المراد به البر، فهذا محمول على بعض الأوقات والله أعلم بالحالات.
وروى أحمد والترمذي وابن ماجة، عن ابن عباس أنه عليه السلام كان يبيت الليالي المتتابعة طاويا هو وأهله لا يجدون عشاء، وكان أكثر خبزهم خبز الشعير وقد بسطنا الدلائل بفتح هذه الفضائل في شرح الشمائل.
وبه (عن حماد عن إبراهيم النخعي، عن علقمة) أي ابن أبي علقمة بلال مولى عائشة أم المؤمنين، روى عن أنس بن مالك، وعن أمه وعنه مالك بن أنس وسليمان بن بلال وغيرهما (عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم) حين انتهاء صلاته (عن يمينه) لكونها أشرف جهاته (قائلا: