فانتفى هذا الحديث أيضا أن يكون فيه حجة لأهل المقالة التي بدأنا بذكرها على أهل المقالة التي ثنينا بذكرها وكان مما احتج به أهل المقالة الثانية لقولهم الذي ذكرنا ما حدثنا فهد قال ثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال ثنا أبو أسامة عن الوليد بن جميع قال ثنا أبو الطفيل قال ثنا حذيفة بن اليمان قال ما منعني أن أشهد بدرا إلا أني خرجت أنا وأبي فأخذنا كفار قريش فقالوا إنكم تريدون محمدا فقلنا ما نريد إلا المدينة فأخذوا منا عهد الله وميثاقه لننصرفن إلى المدينة ولا نقاتل معه فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرناه فقال انصرفا من الوفاء نفي ضد الغدر لهم بعهودهم ونستعين الله عليهم حدثنا أحمد بن داود قال ثنا عبد الرحمن بن صالح قال حدثني يونس بن بكير عن الوليد عن أبي الطفيل عن حذيفة قال خرجت وأنا وأبي حسيل ونحن نريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ذكر نحوه قالوا فلما منعهما رسول الله صلى الله عليه وسلم من حضور بدر لاستحلاف المشركين القاهرين لهما على ما استحلفوهما عليه ثبت بذلك أن الحلف على الطواعية والاكراه سواء وكذلك الطلاق والعتاق وهذا أولى ما فعل في الآثار إذا وقف على معاني بعضها أن يحمل ما بقي منها على ما لا يخالف ذلك المعنى متى ما قدر على ذلك حتى لا تضاد فثبت بما ذكرنا أن حديث بن عباس رضي الله عنهما في الشرك وحديث حذيفة رضي الله عنه في الطلاق والايمان وما أشبه ذلك وأما حكم ذلك من طريق النظر فإن فعل الرجل مكرها لا يخلو من أحد وجهين إما أن يكون المكره على ذلك الفعل إذا فعله مكرها في حكم من لم يفعله فلا يجب عليه شئ أو يكون في حكم من فعله فيجب عليه ما يجب عليه لو فعله غير مستكره فنظرنا في ذلك فرأيناهم لا يختلفون في المرأة إذا أكرهها زوجها وهي صائمة في شهر رمضان أو حاجة فجامعها أن حجها يبطل وكذلك صومها ولم يراعوا في ذلك الاستكراه فيفرقوا بينه وبين الطواعية ولا جعلت المرأة فيه في حكم من لم يفعل شيئا بل قد جعلت في حكم من قد فعل فعلا يجب عليه الحكم ورفع عنها الاثم في ذلك خاصة وكذلك لو أن رجلا أكره رجلا على جماع امرأة اضطرت إلى ذلك كان المهر في النظر على المجامع لا على المكره ولا يرجع به المجامع على المكره لان المكره لم يجامع فيجب عليه بجماعه مهر وما يجب في ذلك الجماع فهو على المجامع لا على غيره فلما ثبت في هذه الأشياء أن المكره عليها محكوم عليه بحكم الفاعل كذلك في الطواعية فيوجبون عليه فيها من الأموال ما يجب على الفاعل لها في الطواعية ثبت أنه كذلك المطلق والمعتق والمراجع في الاستكراه يحكم عليه بحكم الفاعل فيلزم أفعاله كلها
(٩٧)