وقد ذهب أبو يوسف رحمه الله إلى هذا التفسير أيضا حدثناه الكيساني عن أبيه فالحديث يحتمل هذا المعنى ويحتمل مقال أهل المقالة الأولى فلما أحتمل ذلك احتجنا إلى كشف معانيه ليدلنا على أحد التأويلين فنصرف معنى هذا الحديث إليه فنظرنا في ذلك فوجدنا الخطأ هو ما أراد الرجل غيره ففعله لا عن قصد منه إليه ولا إرادة منه إياه وكان السهو ما قصد إليه ففعله على القصد منه إليه على أنه ساه عن المعنى الذي يمنعه من ذلك الفعل وكان الرجل إذا نسي أن تكون هذه المرأة له زوجة فقصد إليها فطلقها فكل قد أجمع أن طلاقه عامل ولم يبطلوا ذلك لسهوه ولم يدخل ذلك السهو في السهو المعفو عنه فإذا كان السهو المعفو عنه ليس فيه ما ذكرنا من الطلاق والايمان والعتاق كان كذلك الاستكراه المعفو عنه ليس فيه أيضا من ذلك شئ فثبت بذلك فساد قول الذين أدخلوا الطلاق والعتاق والايمان في ذلك واحتج أهل المقالة الأولى أيضا لقولهم بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب أن مالكا حدثه عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن علقمة بن وقاص الليثي أنه سمع عمر بن الخطاب على المنبر يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو إلى امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا سليمان بن حرب قال ثنا حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد فذكر بإسناده مثله قالوا فلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الأعمال بالنيات ثبت أن عملا لا ينفذ من طلاق ولا عتاق ولا غيره إلا أن تكون معه نية فكان من الحجة للآخرين في ذلك أن هذا الكلام لم يقصد به إلى المعنى الذي ذكره هذا المخالف وإنما قصد به إلى الأعمال التي يجب بها الثواب ألا تراه يقول الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى يريد من الثواب ثم قال فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو إلى امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه فذلك لا يكون إلا جوابا لسؤال كان النبي صلى الله عليه وسلم سئل عما للمهاجر في عمله أي في هجرته فقال إنما الأعمال بالنيات حتى أتى على الكلام الذي في الحديث وليس ذلك من أمر الاكراه على الطلاق والعتاق والرجعة والايمان في شئ
(٩٦)