قال أبو جعفر فبين ما روينا من هذا أن الدعاء إنما كان في أول الاسلام لان الناس حينئذ لم تكن الدعوة بلغتهم ولم يكونوا يعلمون على ما يقاتلون عليه فأمر بالدعاء ليكون ذلك تبليغا لهم وإعلاما لهم ما يقاتلون عليه ثم أمر بالغارة على آخرين فلم يكن ذلك إلا لمعنى لم يحتاجوا معه إلى الدعاء لأنهم قد علموا ما يدعون إليه لو دعوا وما لو أجابوا إليه لم يقاتلوا فلا معنى للدعاء وهكذا كان أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد رحمة الله عليهم أجمعين يقولون كل قوم قد بلغتهم الدعوة فأراد الامام قتالهم فله أن يغير عليهم وليس عليه أن يدعوهم وكل قوم لم تبلغهم الدعوة فلا ينبغي قتالهم حتى يتبين لهم المعنى الذي عليه يقاتلون والمعنى الذي إليه يدعون وقد تكلم الناس في المرتد عن الاسلام أيستتاب أم لا فقال قوم إن استتاب الامام المرتد فهو أحسن فإن تاب وإلا قتل وممن قال ذلك أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد رحمة الله عليهم وقال الآخرون لا يستتاب وجعلوا حكمه كحكم الحربيين على ما ذكرنا من بلوغ الدعوة إياهم ومن تقصيرها عنهم وقالوا إنما تجب الاستتابة لمن خرج عن الاسلام لا عن بصيرة منه به فأما من خرج منه إلى غيره على بصيرة فإنه يقتل ولا يستتاب وهذا قول قال به أبو يوسف في كتاب الاملاء قال أقتله ولا أستتيبه إلا أنه إن بدرني بالتوبة خليت سبيله ووكلت أمره إلى الله وقد حدثنا سليمان بن شعيب عن أبيه عن أبي يوسف بذلك أيضا وقد روي في استتابة المرتد وفي تركها اختلاف عن جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن ذلك ما قد حدثنا ابن أبي داود قال ثنا عمرو بن عون قال أخبرنا هشيم عن داود بن أبي هند عن الشعبي قال حدثني أنس بن مالك قال لما فتحنا تستر بعثني أبو موسى إلى عمر فلما قدمت عليه قال ما فعل حجيبة وأصحابه وكانوا ارتدوا عن الاسلام ولحقوا بالمشركين فقتلهم المسلمون فأخذت به في حديث آخر فقال ما فعل النفر البكريون قلت يا أمير المؤمنين إنهم ارتدوا عن الاسلام ولحقوا معهم بالمشركين فقتلوا فقال عمر لان يكون أخذتهم سلما أحب إلي من كذا وكذا قلت يا أمير المؤمنين ما كان سبيلهم لو أخذتهم سلما إلا القتل قوم ارتدوا عن الاسلام ولحقوا بالمشركين فقال لو أخذتهم سلما لعرضت عليهم الباب الذي خرجوا منه فإن رجعوا وإلا استودعتهم السجن
(٢١٠)