فهذا منتهى ما وقفنا عليه من علم ليلة القدر أي ليلة هي مما دلنا عليه كتا ب الله عز وجل وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأما ما روي بعد ذلك عن الصحابة وتابعيهم فمعناه داخل في المعاني التي ذكرنا وإنما احتجنا إلى ذكر ما روي في ليلة القدر لما قد أختلف فيه أصحابنا رحمهم الله في قول الرجل لامرأته أنت طالق في ليلة القدر متى يقع به الطلاق فقال أبو حنيفة رحمه الله إن قال لها ذلك قبل شهر رمضان لم يقع الطلاق حتى يمضي شهر رمضان لما قد أختلف في موضع ليلة القدر من ليالي شهر رمضان على ما قد ذكرنا في هذا الباب مما روي أنها في الشهر كله ومما قد روي أنها في خاص منه قال رحمه الله فلا أحكم بوقوع الطلاق إلا بعد مضي الشهر لأني أعلم بذلك أنه قد مضى الوقت الذي أوقع الطلاق فيه وأن الطلاق قد وقع قال رحمه الله وإن قال ذلك لها في شهر رمضان في أوله أو في آخره أو في وسطه لم يقع الطلاق حتى يمضي ما بقي من ذلك الشهر وحتى يمضي شهر رمضان أيضا كله من السنة القابلة قال رحمه الله لأنه قد يجوز أن تكون فيما مضى من هذا الشهر الذي هو فيه فلا يقع الطلاق حتى يمضي شهر رمضان كله من السنة الجائية وقد يجوز أن تكون فيما بقي من ذلك الشهر الذي هو فيه فيقع الطلاق فيها فيكون كمن قال لامرأته قبل شهر رمضان أنت طالق ليلة القدر فيكون الطلاق لا يحكم به عليه إلا بعد مضي شهر رمضان قال رحمه الله فلما أشكل ذلك لم أحكم بوقوع الطلاق إلا بعد علمي بوقوعه ولا أعلم ذلك إلا بعد مضي شهر رمضان الذي هو فيه وشهر رمضان الجائي بعده فهذا مذهب أبي حنيفة رحمه الله في هذا الباب وقد كان أبو يوسف رحمه الله قال مرة بهذا القول أيضا وقال مرة أخرى إذا قال لها ذلك القول في بعض شهر رمضان لم يحكم بوقوع الطلاق حتى يمضي مثل ذلك الوقت من شهر رمضان من السنة الجائية قال لان ذلك إذا كان فقد كمل حول منذ قال ذلك القول وهي في كل حول فعلمنا بذلك وقوع الطلاق قال أبو جعفر وهذا قول عندي ليس بشئ لأنه لم يقل لنا إن كل حول يكون ففيه ليلة القدر على أن ذلك الحول ليس فيه شهر رمضان بكماله من سنة واحدة وإنما قيل لنا إنها في شهر رمضان من كل سنة هكذا دلنا عليه كتاب الله عز وجل وقاله لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما قد ذكرناه فيما تقدم من هذا الباب فلما كان ذلك كذلك أحتمل أن يكون إذا قال لها في بعض شهر رمضان أنت طالق ليلة القدر أن تكون ليلة القدر فيما مضى من ذلك الشهر
(٩٤)