وبه قال كثير من أهل العلم في أهل البدع وخالف في ذلك جماعة كما تقدم في الباب قبله وقال ابن وهب يجوز ابتداء السلام على كل أحد ولو كان كافرا واحتج بقوله تعالى وقولوا للناس حسنا وتعقب بأن الدليل أعم من الدعوى وألحق بعض الحنفية بأهل المعاصي من يتعاطى خوارم المروءة ككثرة المزاح واللهو وفحش القول والجلوس في الأسواق لرؤية من يمر من النساء ونحو ذلك وحكى ابن رشد قال قال مالك لا يسلم على أهل الأهواء قال ابن دقيق العيد ويكون ذلك على سبيل التأديب لهم والتبري منهم وأما الحكم الثاني فاختلف فيه أيضا فقيل يستبرأ حاله سنة وقيل ستة أشهر وقيل خمسين يوما كما في قصة كعب وقيل ليس لذلك حد محدود بل المدار على وجود القرائن الدالة على صدق مدعاه في توبته ولكن لا يكفي ذلك في ساعة ولا يوم ويختلف ذلك باختلاف الجناية والجاني وقد اعترض الداودي على من حده بخمسين ليلة أخذا من قصة كعب فقال لم يحده النبي صلى الله عليه وسلم بخمسين وإنما أخر كلامهم إلى أن أذن الله فيه يعني فتكون واقعة حال لا عموم فيها وقال النووي وأما المبتدع ومن اقترف ذنبا عظيما ولم يتب منه فلا يسلم عليهم ولا يرد عليهم السلام كما قال جماعة من أهل العلم واحتج البخاري لذلك بقصة كعب بن مالك انتهى والتقييد بمن لم يتب جيد لكن في الاستدلال لذلك بقصة كعب نظر فإنه ندم على ما صدر منه وتاب ولكن أخر الكلام معه حتى قبل الله توبته وقضيته ان لا يكلم حتى تقبل توبته ويمكن الجواب بأن الاطلاع على القبول في قصة كعب كان ممكنا وأما بعده فيكفي ظهور علامة الندم والاقلاع وأمارة صدق ذلك (قوله اقترف) أي اكتسب وهو تفسير الأكثر وقال أبو عبيدة الإقتراف التهمة (قوله وقال عبد الله بن عمرو لا تسلموا على شربة الخمر) بفتح الشين المعجمة والراء بعدها موحدة جمع شارب قال ابن التين لم يجمعه اللغويون كذلك وانما قالوا شارب وشرب مثل صاحب وصحب انتهى وقد قالوا فسقة وكذبة في جمع فاسق وكاذب وهذا الأثر وصله البخاري في الأدب المفرد من طريق حبان بن أبي جبلة بفتح الجيم والموحدة عن عبد الله بن عمرو بن العاص بلفظ لا تسلموا على شراب الخمر وبه إليه قال لا تعودوا شراب الخمر إذا مرضوا وأخرج الطبري عن علي موقوفا نحوه وفي بعض النسخ من الصحيح وقال عبد الله بن عمر بضم العين وكذا ذكره الإسماعيلي وأخرج سعيد بن منصور بسند ضعيف عن ابن عمر لا تسلموا على من شرب الخمر ولا تعودوهم إذا مرضوا ولا تصلوا عليهم إذا ماتوا وأخرجه ابن عدي بسند أضعف منه عن ابن عمر مرفوعا (قوله حدثنا ابن بكير) هو يحيى بن عبد الله بن بكير وذكر قطعا يسيرة من حديث كعب بن مالك في قصة توبته في غزوة تبوك وقد ساقه في المغازي بطوله عن يحيى بن بكير بهذا الاسناد وقوله وآتى هو بمد الهمزة فعل مضارع من الاتيان وبين قوله عن كلامنا وبين هذه الجملة كلام كثير آخره فكنت أخرج فأشهد الصلاة مع المسلمين وأطوف في الأسواق ولا يكلمني أحد وفي الحديث أيضا قصته مع أبي قتادة وتسوره عليه الحائط وامتناع أبي قتادة من رد السلام عليه ومن جوابه له عما سأله عنه واقتصر البخاري على القدر الذي ذكره لحاجته إليه هنا وفيه ما ترجم به من ترك السلام تأديبا وترك الرد أيضا وهو مما يخص به عموم الامر بافشاء السلام عند الجمهور وعكس ذلك أبو أمامة فأخرج الطبري بسند جيد عنه أنه كان لا يمر بمسلم ولا نصراني ولا صغير ولا كبير إلا سلم عليه فقيل له فقال انا أمرنا بإفشاء السلام وكأنه لم يطلع على دليل
(٣٤)