وينازلونه في الجهاد منازلة، ويرون أن الصواب خلاف ما تعبدوا به في تلك الحال من الكف والامساك، فلما حصلوا في المدينة وتكاثر معهم الناس ونزل عليهم فرض الجهاد وأمروا بالقتال كرهوا ذلك، وطلبوا التأخير من زمان إلى زمان، ونزل فيهم: (ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فلما كتب عليهم القتال - يعني ببدر - إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب) فيما اتصل بهذه الآية من الخبر عن أحوالهم والإبانة عن زللهم.
وهم الذين أظهروا الأمانة والطاعة، وأضمروا الخيانة والمعصية حتى نزل فيهم: (يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون).
وهم الذين كفوا عن الإثخان في القتل يوم بدر، وطمعوا في الغنائم حتى نزل فيهم: (ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم).
وهم الذين شكوا يوم الخندق في وعيد الله ورسوله وخبثت نياتهم فظنوا أن الامر بخلاف ما أخبرهم به النبي صلى الله عليه وآله، إذ نزل فيهم: (إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذا زاغت الابصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا هنالك ابتلى المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله الا غرورا).
وهم الذين نكثوا عهد رسول الله، ونقضوا ما عقده عليهم في بيعته تحت الشجرة، وأنفذهم إلى قتال خيبر فولوا الدبر، ونزل فيهم: (ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الأدبار وكان عهد الله مسؤولا).
وهم الذين انهزموا يوم حنين وأسلموا النبي صلى الله عليه وآله للأعداء،