إن الرشيد دعا بيحيى بن عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب - عليهم السلام - يوما، فجعل يذكر ما رفع إليه في أمره - وهو حينئذ في حبسه - وهو يخرج كتبا كانت في يده حججا له، فيقرؤها الرشيد وأطراف الكتب في يد يحيى، فتمثل بعض من حضر:
أني أتيح له حرباء تنضبه * لا يرسل الساق إلا مرسلا ساق فغضب الرشيد من ذلك: وقال للمتمثل: أتؤيده وتنصره؟ قال: لا، ولكني شبهته في مناظرته واحتجاجه بقول هذا الشاعر.
ثم أقبل عليه فقال: دعني من هذا يا يحيى أينا أحسن وجها أنا أو أنت؟
قال: بل أنت يا أمير المؤمنين، إنك لأنصع لونا وأحسن وجها.
قال: فأينا أكرم وأسخى أنا أو أنت؟ فقال: وما هذا يا أمير المؤمنين، وما تسألني عنه أنت تجبى إليك خزائن الأرض وكنوزها، وأنا أتمحل معاشي من سنة إلى سنة.
قال: فأينا أقرب إلى رسول الله - صلى الله عليه وآله - أنا أو أنت؟ قال: قد أجبتك عن خطتين، فأعفني من هذه. قال: لا والله. قال: بل فاعفني. فحلف بالطلاق والعتاق ألا يعفيه.
فقال يا أمير المؤمنين، لو عاش رسول الله صلى الله عليه وآله وخطب إليك ابنتك أكنت تزوجه؟ قال: أي والله.
قال: فلو عاش فخطب إلي أكان يحل لي أن أزوجه؟ قال: لا.
قال: فهذا جواب ما سألت.
فغضب الرشيد، وقام من مجلسه، وخرج الفضل بن الربيع، وهو يقول:
لوددت أني فديت هذا المجلس بشطر ما أملكه.
قالوا: ثم رده إلى محبسه في يومه ذلك (1).