وللإنصاف في نفسه موضع يسوي بين القريب والبعيد، الحق رائده. فلا يمنعه حبه لأحبائه من إقامتهم على العدل، ولا يمنعه إنصافه - وهو يحكم - من الاحتفاظ بالحب في زوايا نفسه لمن يحب، ومن هنا كان العدو والصديق عنده سيان في الحكم على ما يأتيان من حسن أو قبح، في آثارهما وأفعالهما.
ومن هنا أيضا كان قدوة: في الورع وصفاء النفس، ونقاء الضمير، وقول الحق، وإلى جانب هذا كله له رأي حصيف، ونظر بعيد، يسبر أغوار الناس ويصل إلى حقائق الأمور وأعماقها، فلا يخدع من حال، ولا يغش في ظاهر، ولا يفتل عن صواب ولا يغر في رياء.
يعني بإقدار الناس، ويوفيهم فوق ما يستحقون، ويشجعهم على إيتاء الخير، ويرهف الناشئة العلمية للاتقان والتجويد، فيبالغ لهم في الاستحسان، ويكيل لهم من الكلم الطيب، والنوال الكريم، ما يدفعهم إلى ما يرمي إليه من تقدمهم.
ولعله لهذه الخلال الكريمة أثرا في صفاء مواهبه، وقوة تأثيره، وصدق كفاياته فهو من أفصح الناطقين بالضاد حين يتحدث، وأبلهم ريقا حين يخطب، ومن انفذ الناس للنفس حين يعظ، وأحكمهم بالقضاء، وأعدلهم بالحكم، وأبينهم بالحجة، وأفقههم بالحياة.
أسفاره في سنة ألف وتسع وعشرين وثلاثين هجرية زار مصر زيارة علمية، كما حدثناك، اجتمع فيها بأفذاذ الحياة العقلية في مصر، وعلى رأسهم الشيخ سليم البشري المالكي شيخ الجامع الأزهر في عصره وأنتجت