الحلق شجى، عملا بهذه الأوامر المقدسة وغيرها مما عهده النبي (ص) إليهم بالخصوص، حيث أمرهم بالصبر على الأذى، والغض على القذى، احتياطا على الأمة، واحتفاظا بالشوكة، فكانوا يتحرون للقائمين بأمور المسلمين وجوه النص، وهم - من استئثارهم بحقهم - على أمر من العلقم، ويتوخون لهم مناهج الرشد، وهم - من تبوئهم عرشهم - على آلم للقلب من حز الشفار، تنفيذا للعهد، ووفاء بالوعد، وقياما بالواجب شرعا وعقلا من تقديم الأهم - في مقام التعارض - على المهم، ولذا محض أمير المؤمنين كلا من الخلفاء الثلاثة نصحه، واجتهد لهم في المشورة (836). ومن تتبع سيرته في أيامهم، علم أنه بعد أن يئس من حقه في الخلافة عن رسول الله صلى الله عليه وآله، بلا فصل، شق بنفسه طريق الموادعة، وآثر مسالمة القائمين بالأمر، فكان يرى عرشه - المعهود به إليه - في قبضتهم، فلم يحاربهم عليه، ولم يدافعهم عنه احتفاظا بالأمة واحتياطا على الملة، وضنا بالدين، وإيثارا للآجلة على العاجلة، وقد مني بما لم يمن به غيره، حيث مثل على جناحيه خطبان فادحان، الخلافة بنصوصها وعهودها إلى جانب، تستصرخه وتستفزه إليها بصوت يدمي الفؤاد، وأنين يفتت الأكباد (837)، والفتن الطاغية إلى جانب آخر، تنذره بانتفاض الجزيرة، وانقلاب العرب، واجتياح الاسلام، وتهدده بالمنافقين من أهل المدينة، وقد مردوا على النفاق، وبمن حولهم من الأعراب، وهم منافقون بنص الكتاب، بل هم أشد كفرا ونفاقا، وأجدر أن لا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله وقد قويت بفقده صلى الله عليه وآله وسلم، شوكتهم، إذ صار المسلمون بعده كالغنم المطيرة في الليلة الشاتية، بين ذئاب عادية، ووحوش ضارية، ومسيلمة الكذاب، وطليحة بن خويلد الأفاك، وسجاح بنت الحرث الدجالة، وأصحابهم قائمون - في محق الاسلام وسحق المسلمين - على ساق، والرومان والأكاسرة وغيرهما، كانوا بالمرصاد، إلى كثير من هذه العناصر الجياشة بكل حنق من محمد وآله
(٣٤٤)