وكفاية وكان طلقا ذلقا نطقا لا يبلغه أحد في شيطنته فولاه على العراق وبعثه إليهم فلما توجه نحو العراق وبلغ ذلك أهل الكوفة قام الغضبان القبعثري الشيباني، وكان من فصحاء العرب ومعاريفهم بالمسجد الجامع بالكوفة خطيبا فحمد الله وأثنى عليه. ثم قال: يا أهل الكوفة أن عبد الملك قد ولى عليكم من لا يقبل من محسنكم ولا يتجاوز عن مسيئكم، الظلوم الغشوم الحجاج، ألا وأن لكم من عبد الملك منزلة بما كان منكم من خذلان مصعب وقتله، فاعترضوا هذا الخبيث في الطريق فأقتلوه فإن ذلك لا يعد منكم خلعا فإنه متى يعلوكم على متن منبركم وصدر سريركم وقاعة قصركم ثم قتلتموه عد خلعا فأطيعوني وتغدوا به قبل أن يتعشى بكم فقال له أهل الكوفة: جننت يا غضبان بن ننتظر سيرته فإن رأينا منكرا غيرناه قال: ستعلمون فلما قدم الحجاج الكوفة بلغه أهل الكوفة مقالة الغضبان وأمر به وقال: الست صاحب الكلمة الخبيثة تغدوا بالحجاج قبل أن يتعشى بكم؟ قال: أصلح الله الأمير ما نفعت من قالها ولا ضرت من قيلت فيه، قال لاقطعن يديك ورجليك من خلاف ولأصلبنك، قال لا أرى الأمير أصلحه الله يفعل ذلك فأمر به فقيد وحبس وكان من شأن الحجاج ما كان حتى بنى الحجاج خضراء واسط فلما أستتم بناؤها جلس في صحنها وقال: كيف ترون قبتي هذه؟ قالوا: ما بني لخلق قبلك مثلها قال: فإن فيها مع ذلك عيبا فهل فيكم من يخبرني به قالوا والله ما نرى بها عيبا فأمر بإحضار الغضبان فأتى به يوسف في قيوده، فلما دخل عليه قال له الحجاج: أراك يا غضبان سمينا قال: أيها الأمير القد والرقعة ومن يكن ضيف الأمير يسمن قال: فكيف ترى قبتي هذه؟ قال: أرى قبة ما بني لاحد مثلها إلا أن بها عيبا فإن أمنني الأمير أخبرته بها قال: قل فلك الأمان قال:
بنيت في غير بلدك لغير ولدك لا تتمتع به ولا تنعم فما لا يتمتع فيه من طيب ولا لذة قال اللعين: ردوه فإنه صاحب الكلمة الخبيثة قال: أصلح الله الأمير أن الحديد قد أكل لحمي وبرى عظمي قال: احملوه فلما استقل به الرجال قال: الحمد لله الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين قال: أنزلوه فلما أستوى على الأرض قال: اللهم أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين قال: جروه فلما جروه قال (بسم الله مجريها ومرسيها أن ربي لغفور رحيم) قال: أطلقوا عنه، وكان اللعين الحجاج شديد العداوة لأمير المؤمنين (ع) وهو أن عبد الله بن هاني وهو رجل من أدحى من اليمن وكان شريفا في قومه، وقد شهد مع الحجاج مشاهده كلها وشهد