ودليل آخر وهو أن كل واحد منهما لا يخلو من أن يكون قادرا على أن يكتم الاخر شيئا، فإن كان كذلك فالذي جاز الكتمان عليه حادث، وإن لم يكن قادرا فهو عاجز والعاجز حادث لما بيناه، وهذا الكلام يحتج به في إبطال قديمين صفة كل واحد منهما صفة القديم الذي أثبتناه، فأما ما ذهب إليه ماني وابن ديصان من خرافاتهما في الامتزاج 1) ودانت به
____________________
1) قال صاحب كتاب الملل والنحل: اختلف المانوية في المزاج وسببه، والخلاص وسببه، قال بعضهم: أن النور والظلام امتزجا بالخبط والاتفاق، لا بالقصد والاختيار، وقال أكثرهم: أن سبب الامتزاج أن أبدان الظلمة تشاغلت عن روحها بعض التشاعل، فنظرت الروح فرأت (1) الأبدان على ممازجة النور، فأجابتها لاسراعها إلى الشر، فلما رأى ذلك ملك النور وجه إليها ملكا من ملائكته في خمسة أجزاء (2) من أجناسها الخمسة، فاختلطت الخمسة النورية بالخمس الظلامية، فخالط الدخان النسيم، وإنما الحياة والروح في هذا العالم من النسيم، والهلاك والآفات من الدخان، وخالط الحريق النار، والنور الظلمة، والسموم الريح، والضباب الماء، فما في العالم من منفعة وخير وبركة فمن أجناس النور، وما فيه من مضرة وشر وفساد فمن أجناس الظلمة.