خرجوا إليك فلا تردهم خائبين، فبينما أنا قائم وزمام راحلتي بيدي وأنا أطلب موضعا أنزل فيه منفردا عن الناس إذ نظرت إلى فتى حدث السن، حسن الوجه، شديد السمرة، عليه سيماء العبادة وشواهدها، وبين عينيه سجادة كأنها كوكب دري، وعليه من فوق ثوبه شملة من صوف، وفي رجله نعل عربي، وهو منفرد في عزلة من الناس، فقلت في نفسي: هذا الفتى من هؤلاء الصوفية المتوكلة يريد أن يكون كلا على الناس في هذا الطريق، والله لأمضين إليه ولأوبخنه.
قال: فدنوت منه، فلما رآني مقبلا نحوه قال لي: [يا] (1) شقيق [اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا] (2) وقرأ الآية، ثم تركني ومضى.
فقلت في نفسي: قد تكلم هذا الفتى على سري، ونطق بما في نفسي، وسماني باسمي وما فعل هذا إلا وهو ولي الله ألحقه وأسأله أن يجعلني في حل، فأسرعت وراءه، فلم ألحقه، وغاب عن عيني فلم أره، وارتحلنا حتى نزلنا واقصة (3) فنزلت ناحية من الحاج، ونظرت فإذا صاحبي قائم يصلي على كثيب رمل وهو راكع وساجد، وأعضاؤه تضطرب، ودموعه تجري من خشية الله عز وجل، فقلت: هذا صاحبي لأمضين إليه، ثم لأسألنه أن يجعلني في حل، فأقبلت نحوه، فلما نظر إلي مقبلا قال لي: [يا] (4) شقيق [وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل