ثم قال عليه السلام: سلوني قبل أن تفقدوني فوالذي فلق الحبة وبرء النسمة لو سألتموني عن آية آية في ليل أنزلت أو في نهار أنزلت مكيها ومدنيها، سفريها وحضريها، ناسخها ومنسوخها محكمها ومتشابهها، وتأويلها وتنزيلها لأخبرتكم به.
فقام إليه رجل يقال له: ذعلب وكان ذرب اللسان، بليغا " في الخطب، شجاع القلب فقال: لقد ارتقى ابن أبي طالب مرقاة صعبة لأخجلنه اليوم لكم في مسألتي إياه، فقال:
يا أمير المؤمنين هل رأيت ربك؟ فقال: ويلك يا ذعلب لم أكن بالذي أعبد ربا لم أره، قال: فكيف رأيته صفه لنا، قال عليه السلام: ويلك لم تره العيون بمشاهدة الأبصار ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان، ويلك يا ذعلب إن ربي لا يوصف بالبعد، ولا بالحركة، ولا بالسكون، ولا بقيام - قيام انتصاب - ولا بجيئة؟ ولا بذهاب، لطيف اللطافة، لا يوصف باللطف، عظيم العظمة لا يوصف بالعظم، كبير الكبرياء لا يوصف بالكبر، جليل الجلالة لا يوصف بالغلظ، رؤوف الرحمة لا يوصف بالرقة، مؤمن لا بعبادة، مدرك لا بمجسة (1)، قائل لا بلفظ، هو في الأشياء على غير ممازجة، خارج منها على غير مباينة، فوق كل شئ ولا يقال: شئ فوقه، أمام كل شئ ولا يقال: له أمام، داخل في الأشياء لا كشئ في شئ داخل، خارج منها لا كشئ من شئ خارج، فخر ذعلب مغشيا " عليه: ثم قال: بالله ما سمعت بمثل هذا الجواب والله لا عدت إلى مثلها أبدا ".
ثم قال عليه السلام: سلوني قبل أن تفقدوني، فقام إليه الأشعث بن قيس فقال: يا أمير المؤمنين كيف تؤخذ من المجوس الجزية ولم ينزل عليهم كتاب ولم يبعث إليهم نبي؟
قال: بلى يا أشعث قد أنزل الله تعالى عليهم كتابا " وبعث إليهم نبيا " وكان لهم ملك سكر ذات ليلة، فدعا بابنته إلى فراشه فارتكبها، فلما أصبح تسامع به قومه فاجتمعوا [إلى بابه] فقالوا: أيها الملك دنست علينا ديننا فأهلكته فاخرج نطهرك ونقم عليك الحد، فقال لهم: اجتمعوا واسمعوا كلامي فإن يكن لي مخرج مما ارتكبت وإلا فشأنكم، فاجتمعوا فقال لهم: هل علمتم أن الله عز وجل لم يخلق خلقا " أكرم عليه من أبينا آدم وأمنا حواء؟ قالوا: صدقت أيها الملك قال: أوليس قد زوج بنيه بناته وبناته